فتوحات الإمبراطورية الأخمينية في وادي السند

تشير الفتوحات الأخمينية في وادي السند إلى الغزو العسكري الأخميني لأراضي المناطق الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية، من القرن السادس إلى القرن الرابع قبل الميلاد. حدث الفتح على مرحلتين: قاد كورش الأول الغزو الأول حوالي عام 535 قبل الميلاد، ويعتبر مؤسس الإمبراطورية الأخمينية.[1] ضم كورش المناطق الواقعة غرب نهر السند، والتي شكلت الحدود الشرقية لإمبراطوريته. بعد وفاة كورش، أسس داريوس الكبير سلالته، وبدأ في إعادة احتلال المقاطعات السابقة وتوسيع نطاق الإمبراطورية. في عام 518 قبل الميلاد، عبر داريوس جبال الهيمالايا إلى الهند لبدء فترة ثانية من الغزو، إذ وصل حتى نهر جيلوم في البنجاب.[2]

مناطق فتوحات الامبراطورية الاخمينية في وادى السند

قدم نقش بيستون دليل مكتوب على ما جرى، وحدد تاريخ الفتوحات قبل أو حوالي 518 قبل الميلاد. حدث التغلغل الأخميني في منطقة شبه القارة الهندية على مراحل، بدءًا من الأجزاء الشمالية من نهر السند ثم نحو الجنوب.[3] تم ضم وادي السند رسميًا إلى الإمبراطورية الأخمينية كمناطق غاندارا، والهندوش، والساتاغيدا مثلًا، إذ ورد ذلك في العديد من النقوش الأخمينية.

تراجع الاحتلال الأخميني لوادي السند مع تعاقب الحكام، وانتهى رسميًا في وقت قريب من غزو الإسكندر لبلاد فارس. ما سمح بظهور ملوك مستقلين كبوروس، وغاتا سانغاس، والإمبراطوريات التي واجهت الإسكندر خلال حملته الهندية حوالي عام 323 قبل الميلاد مثلًا.[1] وضعت الإمبراطورية الأخمينية الأسبقية لنظام الحكم باستخدام المزربات أو الساترابي،[4] وتبنت كل من إمبراطورية الإسكندر، والهنود السكثيون، والإمبراطورية الكوشانية ذلك النظام بشكل أكبر.

الغزو والخلفية التاريخية

حافظ الجزء الشمالي الغربي من الهند لآلاف السنين على مستوى معين من العلاقات التجارية مع الشرق الأدنى. خضعت الإمبراطورية الأخمينية فيما بعد لتوسع كبير شرقًا وغربًا في عهد كورش الكبير (حوالي 600-530 قبل الميلاد)، ما زاد اهتمام الأسرة الحاكمة بمنطقة شمال غرب الهند.[1]

كورش الكبير

يُعتقد أن الفتح الأخميني قد بدأ حوالي عام 535 قبل الميلاد، في عهد كورش الكبير (600-530 قبل الميلاد)،[5][6][1] بحسب نقش بيستون، وصل كورش إلى ضفاف نهر السند، ونظم الأراضي التي غزاها تحت ساترابي غاندارا.[7] يٌشار إلى المقاطعة باسم باروباميسادي في النسخ المكتوبة باللغة البابلية والعلامية من نقش بيستون.[8] امتدت الحدود الجغرافية للمقاطعة إلى مدى أوسع من غاندارا الهندية.[8][9] تشير بيانات أخرى كتلك المكتوبة من قبل كسينفون وكتسياس مثلًا أن الغزو امتد إلى الهند.[10][1] غزا كورش الكبير مقاطعة هندية أخرى تدعى ساتاغيدا بحسب نقش بيستون، ربما كانت متاخمة لغاندارا لكن الموقع الفعلي لها غير مؤكد. حدد فليمنغ موقع الولاية السابقة بين أراكوسيا وووادي السند،[11] وذكر وجود ساترابي تدعى ماكا في منطقة جيدروسيا.[12]

داريوس الأول

خلف داريوس الأول كورش الكبير في عام 518 قبل الميلاد. حدد المؤرخون تاريخ 518 قبل الميلاد استنادًا إلى نقش بيستون، وهو التاريخ الذي أعطي لاحتلال غاندارا في البنجاب.[13] غزا داريوس الأول فيما بعد مقاطعة إضافية أطلق عليها اسم هيوديوس (يطلق عليها أيضًا اسم هندوش)، بحسب ما ورد في النقوش الخاصة به «دي إن أاي» اختصارًا للأحرف الأولى اسمه.[14][15][7] يشير نقش همدان أيضًا (أحد نقوش داريوس الأول المكتوبة بالذهب والفضة)[16] إلى فتوحاته في الهند.[1]

لم تُحدد منطقة مقاطعة هندوش بشكل مؤكد. حدد بعض العلماء وادي السند الأوسط والسفلي، ومقاطعة السند الحالية كموقع محتمل لها،[17] ولكن ما من دليل واضح على وجود السلالة الأخمينية في المنطقة،[18] علاوةً على ذلك لم يُعثر على بقايا الذهب في منطقة دلتا السند، على الرغم من ذكر هيرودوت لإنتاج كميات كبيرة من الذهب في المقاطعة.[18] قد يكون الموقع الحقيقي لمقاطعة الهندوش في منطقة تاكسيلا والبنجاب الغربية، حيث توجد دلائل على وجود ساترابي فارسية. يوجد عدد قليل من الدلائل والآثار التي تشير إلى الوجود الأخميني في الشرق، ولكن وفقًا لفلمينغ، يعتبر موقع لبير موند الأثري في منطقة تاكسيلا المرشح الأكثر منطقية لكونه عاصمة الهند الأخمينية، ذلك أن أنماط الفخار الموجود في المنطقة مشابهة لآثار الأخمنيين التي تركوها في الشرق.[19]

وفقًا لهيرودوت، أرسل داريوس المستكشف اليوناني سيلاكس أوف كاريانادا للإبحار أسفل نهر السند، على رأس فريق من الجواسيس من أجل استكشاف مجرى النهر. عاد سيلاكس بعد مرور 30 شهرًا كما يُقال إلى مصر بالقرب من البحر الأحمر، واستفاد داريوس من البحار الواقعة بين الشرق الأدنى والهند.[20][21]

شكلت أراضي غاندارا، وساتاغيدا، وداديكاي، وأباريتاي-وفقًا لهيرودوت أيضًا- المقاطعة السابعة للإمبراطورية الأخمينية لأغراض دفع الضرائب، بينما شكلت إندوس المنطقة الضريبية العشرين.

الجيش الأخميني

خاضت الإمبراطورية الأخمينية الحروب بشكل مستمر طوال فترة وجودها، إما لاحتلال مناطق جديدة، أو لقمع حركات التمرد في جميع أنحاء الإمبراطورية. لتلبية هذه الحاجة، كان على الإمبراطورية الأخمينية الحفاظ على جيش محترف، وتجنيد طاقم من جميع ساترابي البلاد وأراضيها. [22]

لم يكن الجيش الأخميني فارسيًا صافيًا، بل شمل أعراقًا مختلفة موجودة على امتداد الإمبراطورية الأخمينية الشاسعة والمتنوعة. قدم هيرودوت قائمة كاملة بأعراق الجيش الأخميني، ضمت القائمة السابقة كل من الباختريين، والسكوثيين،[23] والبارثيين، والصغديين، والأيونيون (يونانيين)، والمصريين، والإثيوبيين، وغيرهم.[24][23] من المحتمل أن تكون هذه الأعراق قد أُدرِجت ضمن الجيش الأخميني أثناء غزوات الهند.[23]

انظر أيضًا

مراجع

  1. Sen, Ancient Indian History and Civilization 1999، صفحات 116–117.
  2. André-Salvini, Béatrice (2005). Forgotten Empire: The World of Ancient Persia (بالإنجليزية). University of California Press. ISBN:978-0-520-24731-4. Archived from the original on 2020-08-12.
  3. (Fussman, 1993, p. 84).[استشهاد منقوص البيانات] "This is inferred from the fact that Gandhara (OPers. Gandāra) is already mentioned at Bisotun, while the toponym Hinduš (Sindhu) is added only in later inscriptions."
  4. Briant, Pierre (21 Jul 2002). From Cyrus to Alexander: A History of the Persian Empire (بالإنجليزية). Penn State Press. ISBN:978-1-57506-574-8. Archived from the original on 2021-04-02.
  5. Kerr, Gordon (2017). A Short History of India: From the Earliest Civilisations to Today's Economic Powerhouse (بالألمانية). Oldcastle Books. p. PT16. ISBN:9781843449232. Archived from the original on 2021-03-07.
  6. Thapar, Romila (1990). A History of India (بالإنجليزية). Penguin UK. p. 422. ISBN:9780141949765. Archived from the original on 2021-03-08.
  7. Some sounds are omitted in the writing of Old Persian, and are shown with a raised letter.Old Persian p.164Old Persian p.13. In particular Old Persian nasals such as "n" were omitted in writing before consonants Old Persian p.17Old Persian p.25 نسخة محفوظة 4 أغسطس 2020 على موقع واي باك مشين.
  8. Perfrancesco Callieri, INDIA ii. Historical Geography, Encyclopaedia Iranica, 15 December 2004. نسخة محفوظة 2021-02-28 على موقع واي باك مشين.
  9. Eggermont, Alexander's Campaigns in Sind and Baluchistan 1975، صفحة 177: "One should, therefore, be careful to distinguish the limited geographical unit of Gandhāra from the political one bearing the same name."
  10. Tauqeer Ahmad, University of the Punjab, Lahore, South Asian Studies, A Research Journal of South Asian Studies, Vol. 27, No. 1, January–June 2012, pp. 221-232 p.222 نسخة محفوظة 2021-03-01 على موقع واي باك مشين.
  11. FLEMING، DAVID (1993). "Where was Achaemenid India?". Bulletin of the Asia Institute. ج. 7: 67–72. JSTOR:24048427.
  12. FLEMING، DAVID (1993). "Where was Achaemenid India?". Bulletin of the Asia Institute. ج. 7: 70. JSTOR:24048427.
  13. Marshall, John (1975) [1951]. Taxila: Volume I. Delhi: Motilal Banarsidass. pp. 83.
  14. Waters, Matt (2014). Ancient Persia: A Concise History of the Achaemenid Empire, 550–330 BCE (بالإنجليزية). Cambridge University Press. p. 82. ISBN:9781107009608. Archived from the original on 2021-03-08.
  15. DNa - Livius (بالإنجليزية). Archived from the original on 2021-03-25.
  16. Hamadan Gold and Silver Tablet inscription نسخة محفوظة 2021-03-08 على موقع واي باك مشين.
  17. Dandamaev, A Political History of the Achaemenid Empire 1989، صفحة 147; Neelis, Early Buddhist Transmission and Trade Networks 2010، صفحات 96–97; Sen, Sailendra Nath (1999). Ancient Indian History and Civilization (بالإنجليزية). New Age International. p. 117. ISBN:9788122411980. Archived from the original on 2021-03-08.
  18. "The region was soon to appear as Hindūš in the Old Persian inscriptions... Transparent though the name appears at first sight, its location is not without problems. Foucher, Kent and many subsequent writers have identified Hindūš with its ethymological equivalent , Sind, thereby placing it on the lower Indus towards the delta. However (...) no material evidence of Achaemenid activity in this region is so far available. (...) There seems no evidence at present of gold production in the Indus delta, so this detail seems to weight against the location of the Hindūš province in Sind. (...) The alternative location to Sind for an Achaemenid province of Hindūš is naturally at Taxila and in the West Punjab, where there are indications that a Persian satrapy may have existed, though no clear evidence of its name." in Cambridge Ancient History (بالإنجليزية). Cambridge University Press. 2002. pp. 203–204. ISBN:9780521228046. Archived from the original on 2021-05-02.
  19. FLEMING، DAVID (1993). "Where was Achaemenid India?". Bulletin of the Asia Institute. ج. 7: 69. JSTOR:24048427.
  20. Parker, Grant (2008). The Making of Roman India (بالإنجليزية). Cambridge University Press. p. 15. ISBN:9780521858342. Archived from the original on 2021-01-22.
  21. Olmstead, History of the Persian Empire 1948، صفحات 144–145.
  22. Samad, Rafi U. (2011). The Grandeur of Gandhara: The Ancient Buddhist Civilization of the Swat, Peshawar, Kabul and Indus Valleys (بالإنجليزية). Algora Publishing. ISBN:978-0-87586-859-2. Archived from the original on 2021-04-02.
  23. Beckwith, Christopher I. (2015). Greek Buddha: Pyrrho's Encounter with Early Buddhism in Central Asia (بالإنجليزية). Princeton University Press. p. 5. ISBN:9781400866328. Archived from the original on 2020-06-23.
  24. Herodotus VII 65
  • أيقونة بوابةبوابة إيران
  • أيقونة بوابةبوابة التاريخ
  • أيقونة بوابةبوابة الحرب
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.