زربية الأمازيغ

الزربية القيروانية التونسية .

متجر زرابي قيروانية
زربية قيروانية (تونس)
منزل مزين بزرابي حائطية وأرضية
بائع زرابي (المغرب)

الزربية القيروانية بين الهوية والأصالة ومقتضيات المعاصرة والتجديد «دراسة ميدانية »

 

تُعدّ الزربية من أشهر الصناعات التقليدية في تونس وأعرقها، ولغويا هي مفردة لكلمة قرآنية فصيحة تعني «السجاد»، إذ ورد في سورة الغاشية قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ، لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَة، فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَة، فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَة، وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَة، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَة}.

تنتشر صناعة الزربية في عديد المناطق التونسية التي تتوفر فيها مادة الصوف، ولكن تشتهر بها مدينة القيروان دون غيرها من بقية المدن التونسية. وتاريخيا كانت القيروان عاصمة تونس (افريقية) من سنة 184هـ/800م إلى سنة 296هـ/909م والمدينة الاسلامية الأولى في بلاد المغرب العربي، أسسها عقبة بن نافع الفهري عام 50 للهجرة وجعلها منطلقاً لفتوحاته الظافرة. ويرى عديد المؤرخين والمفكرين أن تأسيس القيروان مثّل منطلقا لتاريخ الحضارة الإسلامية في بلاد الغرب الإسلامي، لذلك لقّبوها بأقدم وأهم مدينة إسلامية في هذه المنطقة، حتى عُرفت لاحقا باسم «رابعة الثلاث» أي رابع مدينة إسلامية مقدسة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، وذلك لكثرة معالمها الدينية ودورها الرئيسي والحاسم في ترسيخ الدعوة الإسلامية في أنحاء عديدة من إفريقيا وبلاد الأندلس وإشعاعها كمركز للعلوم الفقهية والثقافة.

إضافة إلى قيمتها التاريخية وإشعاعها الديني والحضاري، عُرفت القيروان كذلك برواج صناعتها الحرفية التقليدية التي ظلّ سكانها يتوارثونها إلى اليوم، غير أن الزربية تظل أشهر هذه الحرف على الإطلاق لدرجة أن القيروان ارتبط اسمها بالزربية رغم انتشارها لاحقا في مناطق تونسية أخرى منها منطقة الساحل.

اختلفت الروايات وتعدّدت المصادر بشأن أصل الزربية ونشأتها في مدينة القيروان، ولكن العديد منها يُرجّح أنها تعود إلى سنة 1830 على يد المواطنة التركية كاملة بنت الشاوش التي قدمت إلى هذه المدينة مع والدها، فوجدت فيها عوامل مُحفّزة لتعاطي حرفة الزربية وترسيخها. ورغم اختلافها، فإن هذه الروايات تتفق على أن الزربية هي أجود أنواع السجاد وأحد كنوز التراث الاسلامي والثقافة العربية الأصيلة التي تميزت بها القيروان. وعرفت الزربية على امتداد السنوات اللاحقة لنشأتها عديد التقلبات تراوحت بين فترات من الازدهار وأخرى من الركود بلغت حدّتها خلال فترة الاستعمار الفرنسي الذي بسط يده على البلاد التونسية سنة 1881، وكانت له تأثيرات سلبية مباشرة على حرفة الزربية نتيجة إدخال تغييرات أثرت على طابعها الفني التراثي. ومع حصول تونس على استقلالها سنة 1956 بدأ النشاط الحرفي عموما والزربية بالخصوص يتعافى تدريجيا بفضل الجهود الكبيرة من قبل القائمين على شؤونها لتجديدها وتطويرها والمراهنة عليها في إطار رؤية تقوم على إحياء التراث وفتح مجالات إضافية للتشغيل واستقطاب العملة الصعبة. وساهمت هذه الجهود في انتعاش الزربية وتحقيق رواجها داخليا وخارجيا بلغ أوجه في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي التي يعتبرها كل الدارسين والحرفيين بمثابة العصر الذهبي للزربية القيروانية حيث ذاع صيتها وأصبحت تُصدّر إلى كل أنحاء العالم، بفضل جودتها الرفيعة وأشكالها البديعة وألوانها الزاهية التي تفننت فيها المرأة النساجة بكل تمكُّن من أصول الحياكة وفن النسيج. وتأكيدا على ذلك تشير عديد المصادر والإحصائيات إلى أن حجم مبيعات الزربية حقق خلال هذه الفترة ارتفاعات هامة بلغت 35 ألف زربية في السنة، قبل أن تعرف فترة من الركود في أواخر التسعينات امتدت على سنوات طويلة لتبلغ حدتها بعد سنة 2011 نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها تونس والتي كانت لها تأثيرات قاسية على قطاع الزربية التي تجعلها اليوم مهددة بالاندثار.

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على ملابسات نشأة الزربية في مدينة القيروان وأهم العوامل التي ساهمت في ترسيخها في هذه المدينة دون غيرها، وتتبُّع مختلف مراحل وطرق إنجازها واكتشاف ما تتمتع به من رقائق فنية ومميزات تقنية وأبعاد جمالية جعلتها منسوجا فريدا من نوعه يجمع بين روح الاصالة والهوية ومتطلبات المعاصرة والحداثة، واستطاع أن يصمد أمام حركة التقلبات والتغييرات التقنية المتعاقبة.

وعلاوة على القراءة الجمالية والفنية، تغوص بنا ثنايا هذا البحث في تفاصيل واقع الزربية اليوم لتحديد كبرى المشكلات التي تواجهها مع تقديم تصور للحلول الممكنة من أجل المحافظة عليها كمنتوج تراثي عريق وفي نفس الوقت قطاع صناعي منظّم يساهم في التنمية الاقتصادية.

سيتم في هذه الدراسة المراوحة بين القراءة التحليلية للأبعاد الجمالية والفنية للزربية وبين المنهج الوصفي الذي يعتمد على توصيف ماضي هذا المنسوج واستقراء حاضره وتطلّع مستقبله في تفاعله مع واقعه الاجتماعي والاقتصادي وكيف يمكن أن يكون رافدا للاستثمار والتنمية ومساهما في الدخل الوطني عبر التصدير ومحفّزا لقطاعات أخرى كالسياحة. كما اعتمدنا أسلوب العمل الميداني من خلال لقاءات مباشرة مع عدد من المشرفين على قطاع الزربية في مدينة القيروان من الذين مارسوا هذه الحرفة وأشرفوا عليها لعقود طويلة، وذلك من باب نقل التجربة والمعرفة.

نشأة الزربية وعوامل توطنها في مدينة القيروان دون غيرها من المدن التونسية:

ارتبطت الزربية أشد الارتباط بمدينة القيروان دون غيرها من المدن التونسية، وقد ساهمت في ذلك عديد العوامل مثل النمط المعماري المميّز وتوفر الأيدي العاملة ووفرة المادة الأولية ورواج الأسواق الداخلية بالإضافة إلى تطور قطاع السياحة وما يوفره من فرص تسويقية.

1) نشأة الزربية في مدينة القيروان:

بين شحّ المصادر العلمية وتعدد الروايات:

تعتبر الزّربية الأكثر شهرة من بين المنسوجات التّقليديّة القيروانيّة، وقد تعدّدت الافتراضات حول دخولها إلى القيروان كما أن النصوص والوثائق القديمة كانت غير دقيقة وقليلة الوضوح في هذا الشأن. فمن الباحثين والمؤرخين من يُرجعها إلى حركة التبادل التجاري التي نشطت مع منطقة الشرق وبلاد فارس في القرون الوسطى1، ومنهم من يقرنها بالفترات الأولى لإحداث المدينة مستدلين في ذلك بما كانت تُقدّمه القيروان ضمن خراجها من الزرابي إلى الخليفة العباسي في مدينة بغداد، فأثناء خلافة المأمون (813-833م) كانت إفريقية توجه إلى بغداد ثلاثة عشر مليون درهم ومائة وعشرين زربية2. كما تحدث «بروسبار ريكارد»عن الزرابي ذات الأصل الواحد في شمال إفريقيا قائلا «وُجدت ثلاث أصناف من الزرابي المتشابهة في ثلاث مراكز متباعدة عن بعضها هي «القيروان» و«سطيف» و «الرباط»، تنحدر هذه الأصناف من الأصل ذاته وتشترك في تركيبة العناصر الزخرفية والألوان مع انفراد كل واحدة بخصوصياتها بالإمكان تمييزها عن بعضها منذ النظرة الأولى»3.

أما «جاك ريفولت» فقد أكّد أن الزربية التونسية سابقة في تاريخ بروزها لزربية باقي بلدان شمال إفريقيا، وتوصّل من خلال بحثه إلى أن «الزربية التونسية هي أعرق وأقدم من زربية الرباط في المغرب، وقد سبق ميلادها تاريخ زرابي بقية بلدان شمال إفريقيا وهي تعود إلى الحضارة الإغريقية، ذاكرا في هذا الصّدد أن الشعراء الإغريقيين «أنشدوا منذ القرن الخامس ق.م قصائد حول زرابي قرطاج ووساداتها المطرزة»4.

كما أكد الرحالة العربي «البكري» على «أهمية ودقّة المنسوجات ذات الألوان المتناسقة المنجزة في مدينة القيروان في القرن الحادي عشر والتي تميزت بها هذه المدينة دون غيرها من المدن العربية والإسلامية، بما يُعطي انطباعا كبيرا عن عمل تقني واع تمّ إنجازه بكلّ إتقان ودقة»5.

وتواصل الاهتمام بالزربية في فترة الحكم الحسيني في القرن الثامن عشر حين كانت «الزرابي القيروانية تُزيّن قصور الحسين بن علي وعلي باشا وبقية الخلفاء من بعدهم»

التنوع

تختلف الزربية الأمازيغية من منطقة إلى أخرى. فلكل منطقة في بلاد القبائل الأمازيغية أشكالها وألوانها مفضلة. وقد يمتد الاختلاف والتنوع إلى القبيلة نفسها. أما الألوان المستعملة، فهي تعكس طبيعة هذه المنطقة أو تلك. كما أن كل منطقة تستخدم أنواعا من الصوف العالي الجودة حسب خصوصيتها.

تقنيات الصناعة والصباغة

احتفظت النساء الأمازيغيات بالتقنيات القديمة في صناعة السجاد الأمازيغي، لكن مع بعض التطوير وذلك يتجلى في السرعة أولا وتشكيل ألوان كثيرة في وقت قصير. نفس العملية كانت تأخذ وقتا أطول في السابق. تستعمل النساء الصوف الطبيعي لحياكته، ويتم تمشيط الصوف وغزله بأدوات تقليدية. أما الألوان فمصدرها طبيعي حيث يتم استعمال جذوع الأشجار، وأوراق الأعشاب، وقشور الرمان وأنواع من المعادن. تغمر خيوط الصوف في الماء الملون المغلي، وتترك لبعض الوقت ثم تسحب من الماء وتترك لتجف تحت أشعة الشمس قبل البدء في استعمالها لحياكة السجاد على المنسج اليدوي، الذي يتطلب دقة متناهية في وضعه حتى تنسج الزخارف بشكل متساو.

في الديكور العصري

وبما أن عالم الديكور المنزلي يتجدد باستمرار، ويبحث عن كل ما يضيف لمسة خاصة وفنية إلى البيت، أصبح البحث عن الإكسسوارات العتيقة أحد العناصر الرئيسية في تجديد الديكور العصري، ومن هنا تنامى الاهتمام بهذا السجاد. فإلى جانب أنه خفيف يسهل حمله وتنظيفه، بفضل وزنه وأحجامه المتباينة بين الصغير والمتوسط، بالإمكان أيضا وضعه في أي مكان في البيت، سواء في المدخل أو في الصالون أو بجانب أسرة النوم أو في المكتب، وفي كل مكان يمكن أن يضفي مظهرا خاصا ودافئا. ولا يقتصر الأمر على فرشه على الأرضيات، بل يمكن تعليقه على الجدران أو استعماله كغطاء لتدفئة الجسم ووقايته من البرد.

أمازيغية من آيت زمور تنسج (1955)

في الفن

تتم صناعة الزربية بفضل المهارة في اختيار الألوان وتناسقها، لتصبح في النهاية لوحة فنية ذات تعبير له قراءة مختلفة، تعبر عن حياة وتقاليد منطقة أو قبيلة معينة. وهي مزينة بأشكال هندسية بسيطة مثل المعين والمثلث والمستطيل وكذا المربعات. هناك عدد من الزرابي الأمازيغية القديمة المعروضة في متاحف عالمية لما لها من قيمة فنية، وتاريخية وانثروبولوجية. كما أشار باحثون أن الزرابي الأمازيغية هي لوحات فنية تعبر عن وعي الإنسان الأمازيغي منذ مئات السنين.

المراجع

    وصلات خارجية

    مصادر

    • (ISBN 2-7449-0155-5) كتاب: المغرب، سجاد القبائل. صدر سنة 2001
    • (ISBN 3-9500132-0-2) كتاب: زرابي ومنسوجات بربرية من المغرب. صدر سنة 1995
    • (ISBN 978-2867701801) كتاب: سجاد البربر في المغرب، رمزية - أصول ومعاني. صدر سنة 2006
    • أيقونة بوابةبوابة الأمازيغ
    • أيقونة بوابةبوابة التاريخ
    • أيقونة بوابةبوابة الجزائر
    • أيقونة بوابةبوابة المغرب
    • أيقونة بوابةبوابة المغرب العربي
    • أيقونة بوابةبوابة تونس
    • أيقونة بوابةبوابة ثقافة
    • أيقونة بوابةبوابة ليبيا
    • أيقونة بوابةبوابة موريتانيا
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.