دولة البحرين (1971-2002)

دولة البحرين هو الاسم القديم لمملكة البحرين منذ 1971 حتى 2002. في عام 1971 أعلنت البحرين استقلالها ووقّعت معاهدة صداقة مع المملكة المتحدة. انضمّت البحرين إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لاحقا في السنة ذاتها.[3] أفادت الطفرة النفطية في السبعينيات البحرين كثيراً، على الرغم من أن الركود اللاحق أضر بالاقتصاد. بدأت البلاد بالفعل تنويع اقتصادها واستفادت أكثر من الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، عندما حلّت البحرين محل بيروت كمركز مالي في الشرق الأوسط بعد أن تم طرد القطاع المصرفي الكبير في لبنان من البلاد بسبب الحرب.[4]
بعد الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، نسق الأصوليون الشيعة في البحرين محاولة انقلاب فاشلة تحت رعاية منظمة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين في عام 1981. كان من المفترض أن يكون الانقلاب قد أنشأ على يد أحد رجال الدين الشيعة المنفيين في إيران، وهو حجة الإسلام هادي المدرسي، كزعيم أعلى يرأس حكومة ثيوقراطية.[5] في ديسمبر 1994، قام مجموعة من الشبان بإلقاء الحجارة على العدائين الإناث خلال ماراثون دولي للركض. النضال الناتج مع الشرطة سرعان ما نما إلى اضطرابات مدنية.[6][7]
حدثت انتفاضة شعبية بين عامي 1994 و 2000 تضافر فيها اليساريين والليبراليين والمسلمين.[8] ونتج عن هذا الحدث ما يقرب من أربعين حالة وفاة وانتهى الأمر بعد أن أصبح حمد بن عيسى آل خليفة أمير البحرين في عام 1999.[9] وأيد استفتاء الشعبي في فبراير 2001 على نطاق واسع ميثاق العمل الوطني.[4] وضع الملك الانتخابات للبرلمان، وأعطى النساء حق التصويت، وأفرج عن جميع السجناء السياسيين. كجزء من اعتماد ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير 2002، غيرت البحرين اسمها الرسمي من دولة البحرين إلى مملكة البحرين.[10]

دولة البحرين
البحرين
دولة البحرين
دولة البحرين
→
1971  2002 ←
دولة البحرين (1971-2002)
دولة البحرين (1971-2002)
علم دولة البحرين
موقع البحرين

عاصمة المنامة
نظام الحكم امارة ملكية مطلقة
اللغة الرسمية العربية
الديانة الإسلام [1]
أمير
عيسى بن سلمان آل خليفة 1971–1999
حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة 1999–2002
التاريخ
التأسيس 15 أغسطس 1971 
التأسيس 1971
الزوال 2002
السكان
1971 (تقريبا) 216٬078 [2] نسمة
2002 (تقريبا) 650٬604 نسمة
بيانات أخرى
العملة الدينار البحريني
اليوم جزء من مملكة البحرين

البحرين قديماً

بالقرب من منطقة الممطلة جنوب وسط جزيرة البحرين وجدت بعض أدوات إنسان العصر الحجري القديم Paeolithic له كما وجدت على الجزء الساحلي من تلك المنطقة بقايا بعض أدوات حجرية يرجح انها من آثار العصر الحجري المتأخر Neolithic ويعتقد الباحثون ان هذه المنطقة (المعروفة حالياً بالجزاير) كانت في تلك العصور الغابرة جزيرة تبعد عن الساحل الغربي حوالي أربعة كيلومترات. واغلب تلك الأدوات البدائية التي وجدت في هذه المنطقة وجنوب غربي جبل الدخان كانت من الحجر الصوان، ومن بينها عدد يدوية للقطع والكشط وكذلك مجموعة من رؤوس سهام (نبال) يرجع تاريخها إلى 30 ألفأ أو خمسين الف سنة خلت. وفي هذا السياق ذكر المنقبون بعض احجار مسننة كانت تستخدم مع مواد أخرى كالمنجل للحصاد مما ينبئ بوجود مجتمع بدائي زراعي في البحرين في العصور السالفة من تاريخ الإنسانا (1). ومثل هذه القرائن القليلة والبسيطة تنقل خيالنا إلى غابر الازمان لنعيش مع بعض الاساطير التي نسجت حول اسطورة حياة الخلود في دلمون البحرين (2).

ولعل القارئ يود ان يستوقفنا هنا متسائلا عن علاقة الاسطورة بموضوعية التأريخ. الم يبدأ تاريخ العالم بأسطورة أو بعدة اساطير؟ ولعلنا لا نغالي إذا قلنا ان الاسطورة هي «المراجع الأولى» لتاريخ الإنسان قبل ان يسطر تاريخه برموز مقروءة سماها الكتابة. والاسطورة كذلك هي التي حفظت لنا خيوطاً رفيعة نهتدي ببعضها إلى ابعاد من التاريخ غير المكتوب.

وهكذا بدأ تاريخ (البحرين) بأسطورة ذكر العلامة الدكتور جواد علي جانبأ منها في الجزء الثاني من سفره المعنون "تاريخ العرب قبل الإسلام". وفي هذا اشار "نص أرخ في السنة السابعة من سني فيليبس Phillipus فلفوس وتقابل سنة 317 قبل الميلاد، وهو نص بابلي ورد فيه اسم ارض دعيت برديسو Pardisu كان وتقابل هذه الكلمة كلمة Pildash أن وparades في العبرانية وفردوس في العربية، وتقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين Maggana التي هي "مكان" وبين "بيت نبسانو Bit Napsanu" التي هي جزيرة دلمون. وقد حملت هذه التسمية بعض العلماء على التفكيرفي ان ماورد عن (جنة عدن) في التوراة انما اريد به هذه المنطقة التي تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج.

زهرة الخلود وقبل ميلاد المسيح بمئات السنين كانت اسطورة الفردوس أو اسطورة أرض المشرق التي تقع وراء الافق البعيد، كانت تلك الاسطورة يرددها السومريون في حكاياتهم الدينية، فقد وردت في نصوص اسطورة الإله Enki وكيفية نجاته من الفيضان الشهير، ثم بعد ذلك كيف توجه الإله إلى أرض الخلود في دلمون فسكنها. فجاءه جلجامش بطل السومريين ليتعرف منه على سر الحياة ويتعلم عنه اسرار الخلود في دلمون فأفاده عن كيفية موته تحت قاع البحر الذي يمتزج بعيون ماء عذب وبداخل تلك العيون زهرة بيضاء هي (زهرة الخلود)، ولو حصل عليها كتب له الخلود الابدي. وسعى بطل السومريين في الحصول على زهرة الخلود لكن الحية الثعبان (1) سبقته فاكلت الزهرة وهكذا كتب للثعبان الخلود- ولعل ذلك يكون بتغيير جلده رمزاً لتجديد حياته!!(2)

وحلقات مفقودة فتلكم كانت البحرين الفردوس المفقود أو أرض الحياة في حوض خليج فارس.(3) وبعد أن تعاقبت على منطقة الخليج عدة شعوب من الاكاديين والبابليين والبارثيين (1) وغيرهم أخذ الكتاب الكلاسيكيون في محاولة كشف النقاب عن تاريخ البحرين وعلاقة تلك الشعوب بها. فكتب عن الخليج هيردوتس المتوفى 406 لم وهو صاحب النظرية التي تعتبر خليج فارس العربي موطن الفينيقيين (2) وقدذكر البحرين كل من سترابون وبلينوس في القرن الأول من الميلاد، ثم تحدث عنها بطليموس قبل منتصف القرن الثاني الميلادي أيضأ. وبالطبع اختلفت مسمياتها من قرن لآخر وحسب رواية كل مؤرخ فقد كانت البحرين تعرف باسم Niduk-ki عند الاكاديين، ودلمون (1) وتلمون عند السومريين، وتايلوس Tyros Tylos عند الفينيقيين. وبالقياس إلى من سبقه من المؤرخين فقد اجاد بلينوس (3) في وصف ساحل الخليج، المسمى بالعروض عند المسلمين (... وعلى بعد خمسين ميلا من الساحل أرض تسمى اتينه Attene وتقابلها في البحر جزيرة تسمى تيروس Tyros وهي معروفة بكثرة ما فيها من اللؤلؤ).

وفي رأينا ان بين اسطورة السومريين وروايات المؤرخين الكلاسيكيين حلقة مفقودة ليس من اليسير تحديد معالمها في التاريخ القديم للبحرين تماماً كما لا يمكن فصل الماء الاجاج عن الينابيع العذبة في باطن حوض الخليج. ومن المؤكد ان الفردوس المفقود في هذه المنطقة من العالم ليس الفردوس الخاص بالشاعر جون ملتون خلال القرن السابع الميلادي، لان فردوس البحرين وهي أرض الحياة هي حلقة من تاريخ الإنسانية عامة ويجدر بنا شحذ الهمة ومواصلة البحث عن تلك الحلقة المفقودة من اسرار الحياة.

ومن مطالعتنا في روايات الأقدمين واقاصيصهم وطوافهم بمنطقة البحرين نستطيع أن نستخلص الجزء اليسير من معالم ارخبيل البحرين، فنفيد جملة لاتفصيلا بان ساكني هذه المنطقة قديماً كانوا من العمالقة أي من العرب البائدة الذين حكموا فيما بين النهرين والخليج. وان الجزر المقابلة للساحل الشرقي من جزيرة العرب كانت تشتهر بالسمك ووفرة اللؤلؤ وان اهلها كانوا يقومون بزراعة التمر بانواعه والقطن. لذا كانت لهم حواضر بها معابد اسطورية، وان جزيرتهم كانت محطة للتجارة العابرة لنقل أنواع البضائع من نحاس وخشب فيما بين الخليج والشرق الاقصى.

أكبر مقبرة في العالم يتحدث العالم عادة عن عجائب الدنيا السبع، فتشتهر بابل بحدائقها المعلقة، والهند بتاج محل كأجمل مقبرة ومصر بأهراماتها الشامخة كأضخم مقبرة.. ولذا فان (البحرين) عامة بل وجزيرة البحرين خاصة تشتهر بأكبر مقبرة تاريخية في العالم كله. وهذه حقيقة لم يكشف النقاب عنها الا منذ بضع سنوات حديثة خلت. وهذه المقبرة الكبيرة عبارة عن مجموعة عديدة من التلال المقببة المتجانسة والتي تنتشر في مساحة واسعة في وسط الجزيرة وشمالها الغربي ويتمركز اغلبها حول قرية عالي (حيث صناعة الفخار التقليدي القائمة حتى اليوم) والتي بها ما يمكن تسميته «بالمقبرة الملكية» لسكان البحرين قديماً)(1)

والقبور المنتشرة حول منطقة عالي يرجع اغلبها على الارجح إلى العصر البرونزي وفي المتوسط فأن ارتفاع كل قبر حوالي 2.35 متراً وقطره 17 متراً وعلى بعد 3 امتار من القبر يحيط به جدار دائري. وفي مدخل القبر ذي الحجرة أو ذي الحجرتين فوقية وارضية فجوة بعرض متر واحد، تليها إلى الداخل وعلى بعد متر ونصف المترحجارة تؤدي إلى المدخل الرئيسي الذي بنيت حيطانه من قطع حجر جيري مغطى بالملاط. وابعاد حجرة القبر هي 90 سم عرضاً × 180 سم طولا × 116 سم ارتفاعاً وفي الطرف الشرقي منها يوجد قبران متجاوران يفصلهما جدار، أحد القبرين باتجاه شمال شرقي وبأبعاد 38 × 38 × 70 سم وكل قبر مسقوف بقطعة كبيرة من الحجر. اما جسم المدفون فانه يميل على جانبه الأيمن- وهذه خاصية تتميز بها قبور البحرين. واغلب ما اكتشف من هذه القبور المقببة قبور ذات اتجاه شمالي غربي/ جنوبي شرقي ولكنها تنتمي إلى عهود مختلفة من التاريخ.

ولعل القارئ يستغرب وجود أكبر مقبرة تاريخية على اصغر رقعة أرضية في العالم. وبمثل هذا الاستغراب شارك عدد من المؤرخين وعلماء الآثار في تفسير هذه الظاهرة العجيبة. فجاء نفر منهم بعد البحث والتنقيب باجتهادات متباينة متناقضة، وأهم ما انتشر منها الفكرة السائدة بان جزر البحرين كانت الأرض المقدسة لساكني منطقة (البحرين) الذين كانوا يدفنون موتاهم في الجزء الشمالي من وسط جزيرة البحرين. ولكن كيف استطاع الأهون في الزمن الغابر حينذاك نقل موتاهم بحراً إلى جزر البحرين؟ ومانوع السفن (1) التي كانوا بها يعبرون البحر؟ ام ترى كانت جزر البحرين متصلة بشبه جزيرة العرب في أحد العصور الجيولوجية؟

من المعلوم ان شعوباً مختلفة استوطنت (البحرين) وكذلك جزر البحرين. فمنذ آلاف السنين وقبل ميلاد المسيح تعاقبت على هذه المنطقة شعوب بعضها من اصل سامي والبعض الآخر يختلف المؤرخون في تحديد اصلها. فهناك من يرجع نسب ساكني بلدان الخليج إلى سام بن نوح (عليه السلام) معتمدين في ذلك على أقوال وحكايات دينية. ومن المؤرخين من يرجع نسبهم إلى اجناس مختلفة استناداً إلى عوامل جغرافية وأخرى لغوية أو عرقية. ومهما اختلفت الاقاصيص التاريخية فانه من المرجح حسبما ورد في كتب الاخباريين عامة ان ينتسب ساكنو (البحرين) إلى قبيلة معد بن عدنان التي إليها ينتمي عرب الشمال.

ولعل تلك الاجناس من الشعوب مجتمعة قد تركت لنا أكبر مقبرة في (البحرين) وماحولها بالساحل الشرقي لجزيرة العرب وساحل عمان، والتي يزيد عددها في جزر البحرين فقط على مائة الف مقبرة. واغلب هذه القبور المقببة ذات نمط واحد في بنائها وشكلها وطريقة دفن الموتى. ومقابر البحرين بانتشارها في رقعة واسعة نسبياً تختلف عن تلك المقابر الموجودة في وادي الرافدين أو في وادي الاندوس بالهند، وذلك بالرغم من وجود صلة حضارية بين (البحرين) والحضارتين المذكورتين منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، فهل (للبحرين) حينذاك حضارة خاصة بها؟ وفي هذا تشير التنقيبات الحديثة عن الآثار بان لجزر البحرين حضارة تعرف بدلمون والتي يرجع تاريخها إلى حوالي عام 2300 ق.م

حضارة دلمون "تلمون" كتب الدكتور جواد علي في الجزء الثاني من مؤلفه "تاريخ العرب قبل الإسلام" فصلا خاصاً عن حضارة دلمون ".. وورد في النصوص الاكدية والسومرية اسم موضع آخر له علاقة على رأي غالبية العلماء ببلاد العرب هو موضع (Ni-Tuk-Ki) (Ni-Kuk) وهو دلمون Dilmun أو تلمون Tilmun وقد نذكر في النصوص الآشورية كذلك. ويظن الباحثون انه (البحرين) أو البحرين والسواحل المقابلة لها. وقد اشتهر موضع دلمون بتمره ومعادنه مثل النحاس والبرنز وبأخشابه. وكانت به مملكة يحكمها ملك. وقد ذهب كرامر إلى أن دلمون هي الأراضي التي تقع في جنوب غربي إيران وتمتد من جنوب مملكة عيلام إلى ما يقابل مضيق هرمز، ودليله على ذلك ما ورد في نص سومري، من وقوع دلمون في المشرق حيث تشرق الشمس ولهذا وجب أن تكون هذه الأرض في شرق سومر، لا في الجنوب كما هي الحال بالنسبة إلى موقع (البحرين) أو السواحل المقابلة لها. وإذا اقترن اسم دلمون باسم "مجان" و "ملوخا" وورد في النصوص الآشورية أن هذه الأرضيين تقع جنوب بيت يكين Matu Bit-ia-Kim التي تقع جنوب سومر على ساحل الأنهر المالحة أي مياه البحر وهو الخليج فان هذا الوصف يحملنا على حد قوله إلى التفكير في وقوع دلمون في جنوب غربي إيران أي في السواحل الشرقية للخليج المقابلة للبحرين والعروض.

غير أن أكثرية الباحثين ترى- كما قلت- إن دلمون هي البحرين للإشارات الواردة في النصوص الآشورية التي تدل علي أنها كانت جزيرة تحيط بها المياه، وان ملكها كان يعيش كالسمكة في وسط البحر على بعد 30 بيرو وقد ذكرها سرجون 732- 705 ق. م وآشور بانيبال. ويفهم من أقوالهما أنها جزيرة في البحر. والمسافة التي ذكرها سرجون تكاد تساوي بعد البحرين عن فم نهر الفرات. وهذا ما يحمل على الظن أن المراد ب «دلمون» البحرين - وقد ورد في أخبار سرجون الاكدي انه غزى دلمون أضاف الأرضيين المتاخمة لها إلى مملكته. وان «جوديا» حصل على الخشب. فبعد أن تمكن سنحاريب من بابل ودكها دكاً عزم على ضم دلمون إلى مملكته، أرسل وفداً إلى ملكها يخبره أمرين: إما الخضوع ل «آشور» وإما الخراب والدمار. فوافق ملك الجزيرة على الاعتراف بسيادة سنحاريب عليه، أرسل له بجزية ثمينة. كذلك كانت هذه الجزيرة في عداد الأرضيين التي كانت خاضعة لآشور بانيبال.

ثم استمر الدكتور جواد علي في ذكر أسطورة «ارض الحياة» وكيف أن هذه الجزيرة تعتبر مدفناً لما جاورها من بلدان خاصة للمنطقة المقابلة لها والمسماة جرها Garrha وهي الأحشاء في الوقت الحاضر. ثم كرر الدكتور جواد علي الرأي القائل بان مقابر (البحرين) فينيقية، ولكنه لا يرجح صحة هذا الرأي وذلك لعدم وجود القرائن والمبررات الكافية لإثبات وجهة النظر هذه.

وبهذا يلخص العلامة جواد عقب أهم ما كتب في التاريخ القديم عن جزر البحرين. ومع انه يرجح وجود حضارة خاصة بالبحرين إلا انه لم يعين بالتحديد وجوه التشابه والفروق بين (البحرين) وجزر البحرين في الجزء الثاني من مؤلفه الذي نشره سنة 1953 ويتضح كذلك أن الدكتور جواد علي فيما كتبه عن دلمون لم يحاول أن يبرز العلاقة بين دلمون وبين كل من مجان (يرجح انه عمان حالياً) وملوخا الهند. وربما تكشف التنقيبات الجارية للبعثة الدانمركية في البحرين منذ عام 1953 وبلدان الخليج عن بعض الحقائق حول هذه التسميات ومواضعها الأصلية.

ولقد ورد في الجزء الثاني من مؤلف الدكتور جواد علي أيضا ما ملخصه أن: مجان هو القسم الشرقي من الجزيرة (جزيرة العرب) من أرض بابل إلى الجنوب وفي رأي «هومل» كذلك أن مجان كانت في المنطقة المسماة كا 22 كاحل وملوخا هو القسم الغربي من جزيرة العرب أو في القسم الشمالي الغربي منها ولكن نفس المصدر يذكر أن ملوخا تقع في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من (البحرين) إلى عمان وقد اشتهرت ملوخا بوجود الذهب فيها وبالخشب الثمين. وبين هذه وتلك يرى «موسل» انه من الصعب جدا الاتفاق على موقعي (مجان) و (ملوخا) (1) لان مدلول الاسمين قد تغير مراراً. فالذي يفهم من النصوص التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد انهما موضعان يقعان في جزيرة العرب (2) على سواحل الخليج وعلى سواحل البحر الهندي.

ويتبين مما تقدم أنه حتى منتصف القرن العشرين كانت مجان في منطقة (البحرين) وان ملوخا في أمكنة مختلفة من جزيرة العرب وبدون تحديد غير أن تنقيبات البعثة الدانمركية للآثار قد استطاعت في السنوات القليلة الماضية أن تعين حدود دلمون التي كانت حاضرتها البحرين، وبذلك بدأت تكشف النقاب عن إمكانية علاقة (البحرين) بكل من مجان Magan وملوخا Malukha.

وقد كتبت مجلة التايمز الأميركية في عددها الصادر في 18 أبريل 1960 تحت عنوان «المدينة.. موطن السوماريين» ما ترجمته: انه عندما ينظر المؤرخون إلى التاريخ القديم ليحددوا أول شعب متحضر فانهم يذكرون السوماريين الذين شيدوا مدينة ابراهام (في العراق قديما) حوالي 3000 ق. م، غير أن السوماريين حسب أساطيرهم يعودون بنسبهم إلى موطنهم دلمون التي منها نزحوا إلى العراق بعد «الفيضان» وقد قامت البعثة الدنمركية للآثار بتنقيبات في مقابر جزيرة البحرين أثبتت أن دلمون كانت بالبحرين. ودلمون كانت مدينة منيعة بحصونها، كما كانت منذ القديم الوسط التجاري بين حضارة وادي الرافدين وحضارة الاندوس. وفي المدة الأخيرة وجدت البعثة ختماً دائرياً بين بقايا حانوت نقاش قديم.

وهذا الختم الدائري هو المفتاح الذي استعانت به البعثة الدانمركية في التعرف على معالم تاريخ دلمون أي جزر البحرين. بل أن البعثة الدانمركية بمساعدة جوفري بيبي Geofry Bibby قد كشفت النقاب عن حلقات مفقودة من تأريخ البحرين، فأثبتت بصورة قاطعة أن تاريخ حضارة دلمون يرجع إلى عام 2300 ق. م كما بينت الحفريات الأخيرة في جزر البحرين وما جاورها من مناطق في الخليج حدود حضارة دلمون التي كانت تشمل الساحل الشرقي من شبه جزيرة العرب (وقد عرف هذا الساحل فيما بعد بالجرها Garrha والخط والعروض وهجر الممتد من جزيرة فيلكه (1) بالكويت إلى جنوب جزيرة البحرين. وهذا يعني أن مجان عمان حالياً لا تدخل ضمن حدود دلمون وكذلك فان ملوخا تكون خارج تلك الحدود).

واعتماداً على مذكرات هنري رولنسن H. Rawlinsun عن القبور الملكية في اور Ur من نتائج تنقيبات الكابتن ديوراند في جزيرة البحرين، هذا بالإضافة إلى تقارير البعثة الدانمركية في مجموعة Kuml يتبين انه في الألف الثالث قبل الميلاد كانت هناك حضارة خاصة بدلمون البحرين ومتميزة عن حضارة كل من وادي الرافدين بالعراق والاندوس بالهند. والحفريات التي تمت بجزر البحرين خلال الخمسينات الأخيرة تؤكد وجود تلك الحضارة بدليل قرائن رئيسية نذكر منها على وجه الخصوص

1- المقابر المقببة: من المعروف لدى علماء الآثار أن المقابر الخاصة بحضارة وادي الاندوس توجد عادة في الحقول والمزارع خارج المدن حيث يدفن أو يحرق الناس موتاهم، وأما سكان وادي الرافدين بالعراق فانهم كانوا يدفنون موتاهم داخل البيوت حيث كانت توجد مقابرهم. ولكن سكان حضارة دلمون ومقابر جزر البحرين خاصة اتخذوا مقابرهم تحت التلال المقببة أماكن لموتاهم في غرف حجرية ذات نمط مميز كما سبق وصفه. ولعل آلاف المقابر المقببة التي مازالت قائمة اليوم عند قرية عالي هي ما تختص به دلمون عما جاورها من حضارات كانت الاتصالات بها وثيقة. 2- نوعية الفخار: من العينات التي حصلت عليها البعثة الدانمركية للآثار بجزر البحرين تبين أن شكل القلل والأواني الفخارية تختلف في نقوشها وأشكالها عن نظيراتها في حضارتي الاندوس ووادي الرافدين. وهذا دليل على أصالة صناعة الفخار في البحرين. ومن الجدير بالذكر أن هذه الصناعة لم تزل من الصناعات التقليدية المحلية في منطقة عالي أيضا وحيث تتمركز أكثر المقابر الأثرية. 3-الأختام الدائرية: يصف علماء الآثار أختام وادي الاندوس أنها ذات أشكال مربعة بينما أختام وادي الرافدين ذات أشكال أسطوانية. ولكن الأختام الفريدة التي وجدت بقلعة البحرين عند مدينة دلمون الأثرية وبأعداد كثيرة هي ذات شكل دائري خاص. انظر صورة هذا بالإضافة إلى ما عليها من رسوم ورموز مميزة لبيئة البحرين وأهمها نخلة التمر والغزال.

وخلاصة المطاف أن تاريخ البحرين يتأرجح خلال مختلف العصور في حلقات غير متصلة بين أسطورة «ارض حياة الفردوس» وبين بعض أختام دلمونية يرجع تاريخها إلى عهد باربار -المعبد الأول- حوالي 3400 سنة ق. م مصنوعة من حجر الأستيت ترمز إلى تجارة دلمون البحرية بالنحاس، وهي عبارة عن دعاء أو صلاة للآلهة (انان) آلهة الأرض عند سكان دلمون لحماية تجارتهم البحرية والعودة إلى الأرض.

ويرمز الختم الأوسط إلى نخلة وشخصين دلمونيين وهما ممسكان النخلة بيديهما والنخلة رمز (أنان) آلهة الأرض وشجرتها المفضلة. وممسكان النحاس باليد الأخرى وشخصان واقفان على قطعة من النحاس المصقول. وتبدو طريقة الرسم السومرية. كما يبدو الغزال وهو حيوان انان المفضل. والدعاء: أيها الآلهة انان -آلهة الأرض- باركي تجارتنا بالنحاس حتى نرجع إليك.

الختم مصنوع من الطين ومحفوظ في المتحف الوطني بالبحرين برقم 358 ويرجع تاريخه إلى المعبد الثالث والختم يرمز إلى تطور الحياة الموسيقية لدى حضارة دلمون حيث أن الموسيقار الدلموني يلعب على آلة القيثارة ذات الصندوق الموسيقي الكبير مع وجود صور عن الحياة الطبيعية الثور والغزال ويرمز الختم إلى مدى تطور الحياة الاجتماعية وخاصة فكرة الأمن والصداقة والمحبة لديهم انظر بحث. علي حبيب بوشهري 1980

الموجودات الأثرية التي عثر عليها ضمن حفريات البعثة الدانمركية بجزيرة البحرين، وبين تلك الأساطير وهذه النتف المتبقية من قطع العصر الحجري وأدوات العصر البرونزي يمكن القول بان ساكني منطقة البحرين كانوا من الصيادين ثم أصبحوا كذلك مزارعين (1). ومن الزراعة اشتهرت هذه المنطقة وخاصة في عهد الجرها بالتجارة ومقايضة مختلف البضائع مثل الأخشاب والذهب والنحاس، كما كانت تصدر اللؤلؤ إلى ما جاورها من أمصار.

وان البحرين كانت أرضا مقدسة ذات حضارة مستقلة في مقوماتها وخصائصها وأثارها. ومن الطبيعي أن يتمازج ساكنو البحرين قديماً مع غيرهم من شعوب الخليج شماله وجنوبه، وكان من نتيجة ذلك الاختلاط أن وردت إلى البحرين عدة طوائف وشعوب من الأمم التي خلفت وراءها آثاراً متباينة غمر التاريخ بين طياته العديد منها، والقليل الذي بقي طمسته الأتربة والتغيرات التي حدثت في منطقة الخليج. ولقد حاول أعضاء البعثة الدانمركية أن يعينوا معالم تلك الموجات البشرية من حاول ما درسوه من طبقات أرضية في قلعة البحرين الأثرية وما جاورها من قرى.

واستناداً إلى ما وجد من نوعية الفخار في كل طبقة أرضية وضع ترتيب زمني تقريبي يحدد بعض عصور تاريخ البحرين التي نوجز أهم تواريخها قبل الميلاد كالتالي:

1- من 2459 إلى 2304 قبل الميلاد عصر الطبقة الأولى وتمثلها قلل الفخار ذات الأطراف التي على شكل سلاسل. 2- من 2303 إلى 08 31 قبل الميلاد عصر الاكاديين ويمثله فخار قرية باربار ذو الخطوط البارزة حول محيط الجرة. 3- من 1894 إلى 1165 قبل الميلاد العصر البابلي الأول والكيانيين (1) Kassite ويتمثل عصرهم بالقلل المصنوعة من الفخار العادي المحروق. 4- من 500 قبل الميلاد إلى بداية الميلاد وهو عصر الاخمينيين والسلوقيين ويمثله الفخار المصقول ذو الأشكال المختلفة.

ويلي تلك العصور حلقة بل حلقات أخرى مفقودة من تاريخ البحرين قبل الإسلام خاصة وهي الفترة التي كانت تشمل بضعة قرون من الزمان والتي لم يكن نصيب تاريخ البحرين خلالها أوفر مما سبق تحصيله.

ومسألة التمييز بين البحرين وجزر البحرين كما هي اليوم تكررت في كتابات المؤرخين الإخباريين والذين يشير بعضهم إلى تسمية جزر البحرين بأوال خلال القرن الثاني عشر الميلادي.

ومن مطالعاتنا لروايات الإخباريين ومقارنتها برحلات الجغرافيين العرب نستطيع أن نرجح بأن تسمية البحرين بجزرها الحالية قد بدأت قبيل منتصف القرن الثالث عشر الميلادي وكانت جزيرة البحرين بعد ذلك التاريخ تذكر كجزء منفصل عن البحرين الأم (2).

البحرين ولاية عربية منذ فجر التاريخ البحرين من خلال النقوش التاريخية البحرين ولاية عربية منذ فجر التاريخ (1) درس الدكتور كورنوال في كلية كندا العليا بتورنتو قبل التحاقه بكلية كنيسة المسيح في اكسفورد، ثم تابع بعد ذلك دراساته في جامعة هارفارد، وقبل الحرب الأخيرة تنقل كثيراً في أوروبا والشرق الأدنى. وفي عام 1940 - 1941 قام تحت إشراف دائرة التاريخ الطبيعي للأجناس البشرية في جامعة كاليفورنيا ببعض الحفريات في البحرين والتنقيبات في الأحساء.

كتبت المؤرخة المفكرة الجليلة البيزنطية، الأميرة انا كومينيا، تقول: «إن الزمن في لدفقه العارم الدائم يحمل في فيضانه جميع المخلوقات ثم يغرقها في أغوار النسيان، سواء منها مالا يستحق الذكر على الإطلاق، أو المهم والجدير غاية الجدارة بالتقدير.. بيد أن رواية التاريخ تكون سداً مكيناً في وجه تيار الزمن، فتصد إلى حد ما من تدفقه العارم، وتحتفظ بكل ما يستطيع التاريخ انتزاعه منه، وتضم بعضه إلى بعض، تم تحول بينه وبين الانحدار إلى هاوية النسيان.»

يتجلى سداد هذه الآراء بصورة خاصة عند التفكير في «ديلمون» فقد نشأت في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد مملكة صغيرة عرفت بهذا الاسم، وامتد وجودها زهاء 3000 سنة. كان أهلها من الساميين من أواسط الجزيرة العربية على الأرجح، وكانت تخومها لا تتألف من جزيرة ديلمون البحرين في العصر الحديث فحسب، بل من المنطقة التي تكون اليوم المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية الخط والأحساء.

ومع ذلك فلولا وجود عدد من الكتابات المسمارية التي استخرجت من ما بين النهرين- وثائق من معاملات الملوك والكهان السومريين، ومكاتبات التجار، والتاريخ المدون عن حروب ملوك الآشوريين- لانطمس اسم ديلمون ذاته من ذاكرة الناس، ولما كان لنا هذا الفصل النادر الممتع بين الفصول التي تتكون منها الظلال الخلفية للعالم العربي، إذ أن الديلمونيين أنفسهم لم يتخذوا لهم سجلات حكومية، وحصولهم على محل في مجرى التاريخ يعود الفضل فيه إلى اتصالهم ما بين حين وآخر بسكان وادي الرافدين نجوى الثقافة السامية.

بدأت في أوائل عام 1930 البحث عن الكتابات المسمارية ودراستها التي عن ديلمون إشارة فيها. وكان بعضها على جانب من الخطورة والآخر تافهاً ثم تمكنت في سنة 1940- 41 من قضاء ستة شهور في البحرين والأحساء اشتغل بالحفر والتنقيب. فاستطعت على مهل، ضم ما حصلت عليه من المعلومات المتناثرة إلى بعض وتخطيط تاريخ لمملكة ديلمون وثقافتها المادية ومع بقاء جانب عظيم في طي الظلام فان ما نعرفه الآن عظيم الأهمية والدلالة.

إننا موافقون في أن بلاد الديلمونيين تحتوى على مخلفات كثيرة لحضارتهم، فقد كان محاربو القبيلة يدفنون بعد وفاتهم في اكام من الصخور والحصباء، وتجد آلافاً من هذه الآكام وتسمى عادة طعوساً (1) تغطي النصف الشمالي لجزيرة البحرين- كما تغطي بقعة أخرى في الجزيرة العربية ذاتها القريبة من البحرين، واقدم هذه الآكام مبينة حول مدافن. ولكنك تجد في الآكام الحديثة منها- ويعود تاريخها إلى العصر البرنزي المتأخر حجرات حسنة البناء مسقفة بصفائح هائلة من الحجارة ومغطاة بكميات كبيرة من التراب حتى تأخذ شكل التلال. في هذه الآكام وجدت عدا الهياكل العظمية أدوات وأسلحة من البرونز، وقطعاً من صناديق عاجية، وبعضاً من الفخار مما صنع على الدولاب أو باليد، ووجدت في إحدى الآكام قطعاً من سرير.

والبحرين تعرف اليوم بما فيها من احتياطي عظيم من الزيت الذي تستثمره شركة نفط البحرين ولكنها كانت حتى اكتشاف الزيت فيها قبل عقد من السنين بقليل تعرف بوجه خاص بلؤلؤها وتجارته، وبآكامها التي تسبغ عليها مظهر مدينة كبيرة من مدائن الأموات.

تبلغ مساحة البحرين 38 أميال في 10 أميال، اغلبها نجد قاحل من الصوان، وتقوم في طرف الجزيرة الشمالي أحراج جميلة من النخيل كما تقوم قصبتها الرئيسية، المنامة. على هذه البقعة الساحلية الخصبة المنخفضة، عاش اغلب أبناء الجزيرة منذ القدم فهناك مواقع والسعة لمساكن العهد القديم تنتشر فوقها آثار أبنية بدائية من الصوان وبقايا من الفخار والحلي الزجاجية . وفي هذه البقعة أيضا عدد من الآكام، ولكن القسم الأعظم منها يقع على المنحدرات الصوانية التي تبدأ جنوبي أحراج النخيل مباشرة وتمتد إلى حوض مركزي متفتت. وهذه الآكام مخروطية الشكل ويؤيد عددها علي خمسين ألفا، يتراوح ارتفاعها من 4 إلى 9 أقدام وقطرها من 10 إلى 34 قدماً عند القاعدة، بالرغم من وجود عدد قليل من الآكام الهرمية الضخمة على مقربة من قرية «عالي» يبلغ ارتفاعها 82 قدماً وقطرها 100 قدم.

ومنابع المياه العذبة تكاد تصل في روعتها إلى ما في الجزيرة من آكام، وهذه المياه ارتوازية ساخنة (85 درجة) وجريانها الثابت المطرد يجعل من شمال الجزيرة جنة من الحدائق، ولولا هذه المياه لكانت الجزيرة قاحلة جرداء. ومن الطبيعي أن تكون هذه الثروة العجيبة من المياه العذبة مثاراً للدهشة والروعة، دائماً لعدم وجود ما يضارعها في أي مكان آخر في هذا الجزء من العالم- ما عدا جزء في المنطقة الساحلية من الأحشاء. وهذه المياه كانت ولا تزال تعتبر مقدسة كمنحة من السماء في مثل هذه المنطقة التي تكون شمس الصيف فيها بهذه القساوة، وطيبات الحياة بهذه النزرة. ويبدو أن أهالي البحرين كانوا يتصورون يوماً ما أن هذه المياه تحملها من الفرات قناة تحت الأرض ولكننا نعرف الآن أن منبعها في الواقع في جبال طويق في وسط الجزيرة العربية.

قبل 3000 سنة قبل الميلاد نزل الشعب السومري الذي يكتنف الغموض ماضيه في وادي الرافدين، واستقر هناك. لم يكن هؤلاء الطارئون الجدد من الساميين، وكانت لغتهم مركبة الكلمات، فنشروا فن الكتابة وصناعة الزجاج الراقية، وكان انتشار الحضارة في الشرق الأدنى نتيجة لعبقريتهم لا يزال اصل هؤلاء السومريين مجهولا، بالرغم من وجود عدد من النظريات عنه. وإحدى هذه النظريات تقول انهم جاءوا من ناحية ما من إيران. وعلى أي حال فان هناك عدداً من علماء الآثار يرون أنه اقرب إلى الاحتمال أن يكون السومريون قد جاءوا إلى الخليج العربي من عمان أو من جنوبي الهند، وهذه النظرية لها ما يؤيدها، إذ انهم كانوا من أبناء البحار وأساطيرهم ذاتها تدل على انهم جاءوا إلى وادي الرافدين بحراً.

ويحتمل أن تكون ديلمون البحرين قد قامت في هذه الفترة بدور هام فأساطير السومريين تضفي ميزة كبرى على مكان ما يدعى ديلمون- وليس من شك في انهم كانوا يقصدون بهذا المكان بلاداً حقيقية. وكانوا يصفون هذا المكان بأنه بلاد الإلهين السومريين العظيمين، انكى Enki ونينخورساك Ninkhursag وذكر المياه العذبة في تلك البلاد التي تم تكوينها بإرادة الإله انكي، له دلالته، زد على ذلك أن انكي كما يقال قد فرض أن تكون «ديلمون» «دار الندوة» لجميع البلاد السومرية.

لهذا فمن الجائز أن يكون السومريون قد توقفوا في البحرين في طريقهم إلى وادي الرافدين وهو أمر طبيعي جداً، إن كانوا جاءوا إلى الخليج، حيث أن الجزيرة هي المحطة الملائمة في طريقهم بين عمان ووادي الرافدين بما فيها من مياه عذبة وبمينائها الطيب.

وعلى كل فليس من الممكن اتخاذ موقف إيجابي بالنسبة لهذه المسألة الهامة، ولكن الحقيقة هي أن الديلمونيين قد اتخذوا انزاك Inzak ولاخامون Lakhamun إلهين خاصين بهم يتعبدون لهما، وهما اسمان مهجوران لإلهين من آلهة السومريين.

يعود تاريخ أقدم نص تاريخي جاء ذكر ديلمون فيه إلى 3500 سنة قبل الميلاد تقريباً. كانت الجزيرة في ذلك الحين متصلة تجارياً اتصالا وثيقاً بالولاية السومرية لاغاش Lagash التي كانت ديلمون ترسل لها التمور والنحاس الخام- ولعل الأول مما كان يزرع في جزيرة العرب كما يزرع في البحرين، أما الأخير فيكاد يكون من المحقق انه مما كان يستخرج من مناجم ماغان Magan عمان في العصر الحديث؟. ثم حدث أول احتكاك لدلمون بالتوسع الاستعماري في ذلك الحين.

فقد قام في نجود سومر الشمالية الغليظة حوالي سنة 2360 قبل الميلاد ملك طموح بعيد الهمة، هو سرجون الاكدى Sargon of Akad فزحف صوب الجنوب وافتتح من دون هوادة الدويلات السومرية التي كانت تتألف كل منها من مدينة واحدة مستقلة، فتحها واحدة واحدة، ثم التفت صوب الشمال وصوب اليمين: فاجتاح عيلام Elam وسوريا النائية حتى غابات الأرز والجبال الفضية بعد ذلك، وكأنما كان يسوقه سائق إلى الحرب، شرع في إخضاع الجزيرة التي تقع نحو الجنوب في البحر الواطئ أما كيف هاجم ديلمون فلا نعرف عنه شيئاً، ولكن لوحة مسمارية تسمى أحيانا أطلس إمبراطورية لصرجون الاكدى تذكر ديلمون وماغان، البلدين الكائنين خلف البحر الواطئ، والبلاد من مشرق الشمس إلى مغربها التي افتتحها سرجون.. بيده.

من المحتمل أن حملة الاكاديين انحدرت بحراً فاجتاحت الجزيرة مستولية على ما فيها من مواد، وأجبرت الديلمونيين على تأدية يمين الولاء لسرجون، ومع ذلك فالظاهر أن ديلمون استعادت استقلالها بعد قليل من الزمن، وظلت دون أن يضايقها أحد حتى اضطرها إلى التسليم ملك مقاتل آخر من ملوك الاكاديين. يحتمل أن يكون حفيداً لسرجون.

ولما اقترب الألف الثالث قبل الميلاد من نهايته، اضمحلت معه قوة الاكديين، ولكن إمبراطورية جديدة كانت تنمو في ذلك الحين لتحل محلهم:

هي السلالة الثالثة في اور Ur وقد خلفت لنا هذه الإمبراطورية بعض الوثائق يظهر منها أن ديلمون كانت إحدى مقاطعاتها حتى 1987 قبل الميلاد على الأرجح. وعلى كل فمن المحتمل أن الوقت لم يكون على ما لا يهوى الديلمونيون، إذ يبدو انهم كانوا والسومريين دائماً على وفاق، وفي مقابل الولاء لهذه الإمبراطورية السومرية استفاد أبناء الجزيرة من دون شك، سواء بتنمية ثقافتهم المادية أو بزيادة إحساسهم بالاطمئنان.

أن معلوماتنا عن ديلمون خلال الجزء الأكبر من الألف الثاني قبل الميلاد ضئيلة جداً، فإحدى اللوحات تنبئنا أن سوموئيلو Sumu-ilu وهو أمير من أمراء لارسا Larsa التي ازدهرت حوالي 1820 قبل الميلاد قد أرسل بعثة تجارية إلى الجزيرة للحصول على الصخور والمعادن والخشب والعاج، ومن المحتمل أن يكون اصل الخشب والعاج من الهند. وكذلك بين أيدينا لوحة أخرى تعود إلى هذا التاريخ تقريباً ، وتتطلب انتباهاً خاصاً منا، لكونها اللوحة الوحيدة التي أمكن اكتشافها في البحرين حتى الآن. ونصها: قصر ريموم Rimum سادن انزاك Inzak وفارس اقاروم Agzrum واينزاك هو الاسم الذي يعرف به Nabu الإله الاشوري، بين الديلمونيين، أما اقاروم فلا بد وان يكون اسم قبيلة عربية كان ريموم شيخا عليها ولا يبعد عن الاحتمال إطلاقا أن ريمو كان في الواقع ملكاً على ديلمون فذكر القصر يدل على ذلك بينما إغفال لقب الملك غير ذي أهمية، فالشيخ العربي بالأمس -كما هو اليوم- على استعداد لتسمية نفسه ببساطة ملؤها الفخر فارس القبيلة.

وعلى توالي القرون أخذت قوة جديدة- هي آشور تتحرك بأعصاب متوترة، وتكافح في سبيل السيادة في الشرق الأدنى، فقد بدأ أحد ملوك الآشوريين وهو توكولتي- اورتا Tuklti-Urta يطالب بالسيادة على ديلمون منذ سنة 1260 قبل الميلاد، ولعل هذه الدعوى الآشورية لم يكن لها من سند سوى ما كان يرسله أبناء الجزيرة من الهدايا.

وعلى كل فقد أخذ الإرهاب الآشوري المتزايد يهوى قاسيا في اسكن الثامن قبل الميلاد على رؤوس البلاد المجاورة جميعها، وباللجوء الوحشي للحرب واستعمال سياسة القوة، دفعت آشور جاراتها، واحدة بعد أخرى، أما إلى التسليم والقسم بالآلهة العظمى على الولاء لها وأما على مواجهة التدمير والإرهاب حسب خطة موضوعة. وهذا الاستعمال الوطني للعنف كان من نوع وعلى مقياس لم يعهد لهما ضريب حتى ظهور ألمانيا الهتلرية. أن تاريخ الحروب الآشورية يقطر دماً، فقد كانت لكل ملك من ملوكها قوائم بالمدن التي كما يقول أحدهم دمرتها، وخربتها، أحرقتها بالنار وبالقبائل التي أبيدت برمتها، أو كما يقول أحدهم قطعتها إرباً إرباً.. أطعمت أجسادهم التي بترت أعضاؤها للكلاب، والخنازير، والذئاب، والعقبان، والى طيور السماء واسماك البحار.

كانت الجنود الآشورية مسلحة ومدربة على احسن ما يرام، فلم تتوان في اجتياح الصحراء العربية الواسعة خلف البدو، أو في مهاجمة أهالي الجبال في معاقلهم، فاستولت على الشرق الأدنى موجة من القلق والتشاؤم، إذ أصبح من الجلي أن آشور ما كانت تهدف إلى ما دون الانتشار الواسع والسيادة المطلقة.

وتدخل القدر بصورة غير متوقعة فإذا جزيرة ديلمون الصغيرة لم تنج أن تكون ضمن الضحايا الكبرى، على الرغم من بعدها واكتناف الماء بها. فسرجون الآشوري 733-705 قبل الميلاد ، وقد تسمى باسم سرجون الاكدى الذي كان يعيش قبله بألف وستمائة سنة، يهوى تقليد سميه في كل شيء مهما دق وصغر، ولما كان يعرف أن لصرجون القديم قد فتح ديلمون فقد تطلع هو أيضاً إلى بلوغ تلك الغاية، زد على ذلك أن الجزيرة كانت مرموقة من الوجهة التجارية فمن يستولي عليها يسيطر على الطريق البحري الجنوبي، بالإضافة إلى بسط سيطرته العامة على الأقل على القسم الشمالي من الخليج العربي.

وتجاه هذا التهديد من الشمال لم يكن لدى الديلمونيين سوى ورقة واحدة يلعبون بها، هي ضعف آشور البحري، فلم يكن للآشوريين أسطول خاص بهم، بل كانوا في الواقع يخافون الخليج العربي الذي كانوا يسمونه أحيانا «البحر المخيف». فلذلك لم يضطلعوا بإرسال حملة بحرية على ديلمون.

ولكن آشور حاولت بالتهديد والضغط الاقتصادي أن تسيطر على ديلمون، فكانت توفق من حين لآخر في استخلاص إتاوة من أبناء الجزيرة. فالنقوش من عهد سرجون تذكر أن "اوبرى Uperi ملك ديلمون الذي يعيش كالسمكة على بعد ثلاثين ساعة ومثلها معها، وسط البحر في مطلع الشمس، قد سمع عن قدرتي العظمى فحمل إلي هداياه." ويخبرنا سنحاريب Sennacherib بن سرجون انه عندما خرب بابل تخريباً تاماً سنة 689 قبل الميلاد أرسل بعض أنقاض المدينة إلى ديلمون ويزيد "أن الديلمونيين نظروا إليها فاستولى عليهم الخوف والهلع من آشور فجاءوا بذخائرهم إلى آشور وأرسلوا مع ذخائرهم الصناع، جمعوهم من هنا وهناك من بلادهم، وعجلات نحاسية، وأدوات نحاسية واوان من صناعة بلادهم.

ثم حان الوقت الذي حصلت فيه آشور على أكثر من جزية طارئة، فقد أصبحت ديلمون في عهد آشور بانيبال Ashur Banibal مقاطعة آشورية.أما كيف حدث هذا فلا نعرف عنه شيئاً، ولكن من المحتمل أن التسليم لم يزد كثيراً على كونه اسمياً فقط، إذ لا دليل على إنزال حامية آشورية في الجزيرة.

وأخيراً جاء اليوم الذي تنال فيه آشور جزاءها. فمنذ عهد آشور بانيبال كان هناك تصميم على الثورة بين الكلدان والقبائل العربية، ويبدو أن للديلفونيين يداً فيها، فقد جمع أحد زعماء الثورة كنزا في الجزيرة. لقد أخمدت آشور الثورة بقسوة دامية، ولكنها مع جبروتها سقطت إلى الأبد سنة 605 قبل الميلاد بين أفراح الشعوب التي سخرتها كل هذه المدة الطويلة.

التجربة الدستورية

بناء على دستورها الجديد، انتخب الرجال البحرينيون أول جمعية وطنية في عام 1973 (على الرغم من أن المادة 43 من دستور 1973 تنص على أن يتم انتخاب الجمعية «بالاقتراع العام»، الشرط العالمي «وفقًا لأحكام القانون الانتخابي» سمح للنظام بمنع النساء من المشاركة).على الرغم من أن الجمعية والأمير آنذاك عيسى بن سلمان آل خليفة اختلفوا على عدد من القضايا: السياسة الخارجية ؛ الوجود البحري الأمريكي، والميزانية، أكبر اشتباك جاء على قانون أمن الدولة. ورفضت الجمعية التصديق على القانون الذي ترعاه الحكومة، والذي سمح، في جملة أمور، باعتقال واحتجاز أشخاص لمدة تصل إلى ثلاث سنوات (قابلة للتجديد) دون محاكمة.
خلق الجمود التشريعي على هذا القانون أزمة عامة، وفي 25 أغسطس 1975، قام الأمير بحل الجمعية. بعد ذلك صادق الأمير على قانون أمن الدولة بمرسوم، وعلق تلك المواد في الدستور التي تتعامل مع السلطات التشريعية للجمعية. وفي العام نفسه، أنشأ الأمير محكمة أمن الدولة التي لا تخضع أحكامها للاستئناف.[11]

دستور 1973

تمت صياغة دستور عام 1973 بعد فترة وجيزة من استقلال البحرين عن بريطانيا في عام 1971. وفي عام 1972، أصدر الحاكم عيسى بن سلمان آل خليفة مرسومًا ينص على انتخاب جمعية تأسيسية تكون مسؤولة عن صياغة الدستور والتصديق عليه. كان جمهور الناخبين الجمعية التأسيسية مواطنين من الذكور يبلغون من العمر عشرين سنة أو أكثر. تألفت الجمعية التأسيسية من اثنين وعشرين مندوبًا منتخبًا، بالإضافة إلى اثني عشر عضوًا من مجلس الوزراء وثمانية أعضاء عينهم مباشرة الأمير الشيخ عيسى.[12]
ينص الدستور الذي تم وضعه على هيئة تشريعية واحدة (المجلس الوطني) تتألف من 30 عضوًا منتخبًا من خلال «الاقتراع العام» (على الرغم من أن الامتياز كان مقصوراً على الذكور)، بالإضافة إلى أربعة عشر وزيراً حكوميًا تم تعيينهم بعشوائية والذين هم أعضاء بحكم مناصبهم. تم سن الدستور بموجب مرسوم أميري في ديسمبر 1973.[12]
تم عقد انتخابات برلمانية واحدة فقط بموجب دستور 1973 قبل أن يتم إلغاءها من قبل الأمير عيسى عيسى في عام 1975. كانت البلاد تخضع لقوانين الطوارئ من عام 1975 إلى عام 2002.[12]

المراجع

  1. http://en.wikisource.org/wiki/Constitution_of_the_State_of_Bahrain_(1973) Constitution_of_the_State_of_Bahrain_(1973) نسخة محفوظة 2020-06-17 على موقع واي باك مشين.
  2. (PDF) https://web.archive.org/web/20160305034500/http://www.moh.gov.bh/PDF/Publications/Statistics/HS2011/PDF/CH-02%20census_2011.pdf. مؤرشف من الأصل (PDF) في 5 مارس 2016. اطلع عليه بتاريخ أغسطس 2020. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة) والوسيط |title= غير موجود أو فارغ (مساعدة)
  3. The Middle East and North Africa 2004. Routledge. 2003. ص. 225. ISBN:1-85743-184-7. مؤرشف من الأصل في 2020-05-16.
  4. "Bahrain". National Post. مؤرشف من الأصل في 2012-10-05. اطلع عليه بتاريخ 2012-10-05.
  5. Talbott, Strobe (25 أكتوبر 1982). "Gulf States: Stay Just on the Horizon, Please". Time. مؤرشف من الأصل في 2012-10-02. اطلع عليه بتاريخ 2012-10-02.
  6. Darwish, Adel (1 مارس 1999). "Bahrain remains stable despite arson attacks that took place in the country". The Middle East. (الاشتراك مطلوب). مؤرشف من الأصل في 2018-12-01. اطلع عليه بتاريخ 2012-10-05.
  7. "The Rich/Poor & Sunni/Shiite Rift". APS Diplomat. (الاشتراك مطلوب). 18 مارس 2002. مؤرشف من الأصل في 2018-12-02. اطلع عليه بتاريخ 2012-10-05.
  8. Darwish, Adel (مارس 1999). "Rebellion in Bahrain". Middle East Review of International Affairs. ج. 3 ع. 1. مؤرشف من الأصل في 2012-10-02. اطلع عليه بتاريخ 2012-10-02.
  9. Malik, Adnan (14 ديسمبر 2002). "Bahrain's monarch opens parliament after a span of nearly 30 years". Associated Press (via HighBeam Research). مؤرشف من الأصل في 2016-04-14.
  10. "The Kingdom of Bahrain: The Constitutional Changes". The Estimate: Political and Security Analysis of the Islamic World and its Neighbors. 22 فبراير 2002. مؤرشف من الأصل في 2018-12-15. اطلع عليه بتاريخ 2011-02-17.
  11. "Bahrain profile". BBC News. 19 سبتمبر 2013. مؤرشف من الأصل في 2019-05-26.
  12. Bahrain, Federal Research Division, 2004, Kessinger Publishing, pp 97 - 98 نسخة محفوظة 10 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
  • أيقونة بوابةبوابة آسيا
  • أيقونة بوابةبوابة البحرين
  • أيقونة بوابةبوابة التاريخ
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.