جدارا

جدارا (باليونانية: Γάδαρα Gádara) مدينة هيلينستية قديمة، كانت ولفترة طويلة إحدى المدن في حلف المدن العشرة، وهي أسقفية سابقة وحاليًا لاتينية كاثوليكية.

جدارا
إحداثيات 32°39′19″N 35°40′43″E  [1]

تقع أنقاضها اليوم في بلدة أم قيس في لواء بني كنانة في محافظة إربد بالقرب من حدود الأردن مع فلسطين وسوريا. بنيت على تل يبلغ ارتفاعه 378 مترًا (1240 قدمًا) فوق مستوى سطح البحر ويطل على وادي نهر اليرموك من الشمال والشمال الغربي، وكذلك مرتفعات الجولان وبحيرة طبريا.[2]

التسمية

ربط بعض الباحثين اسم جدارا بمنحدر وادي العرب الذي يطلق عليه “جدر” أما جذر الكلمة فمأخوذ من “جَ دَ رَ” وهو جذر سامي الأصل يعني الحصن أو التحصين والذي ينطق (جدارا) عند تحويله لليونانية. ومن الأسماء الأخرى لها (مكيس) أي الحد الفاصل وهو يعكس الدور السياسي والتجاري والعسكري الذي لعبته المدينة فيما سبق. بينما يقترح آخرون بأن مكيس أصلها المكوس والتي تعني الضرائب فقد كانت المدينة نقطة لجمع الضرائب. كما أطلق عليها اسم (بومبيا) تيمنا بالإمبراطور الروماني بومبي الذي دخل المنطقة عام 63 ق.م. وأسس تحالف المدن العشر.[2]

ذكرت أيضا في المصادر التاريخية العربية كمعجم البلدان لياقوت الحموي الذي قال: جدره هي قرية في الأردن” وقال الشاعر أبو ذؤيب: فما أن رحيق سبته التجار…. من أذرعات فوادي جدر.[2]

تاريخ

خلال الفترتين الهلنستية والرومانية كانت جدارا مركزًا للثقافة اليونانية في المنطقة وتتمتع بمكانة سياسية ودينية خاصة.[3][4] زار المدينة لأول مرة المستكشف الألماني ستزن عام 1806 وكان أول من صنفها كواحدة من مدن الديكابولس العشر.

خلال الحقبة الهلنستية

خريطة حلف المدن العشرة الرومانية (الديكابزلس) والتي تتضمدن مدينة جدارا

تمتّعت مدينة جدارا خلال الحقبة الهلنستية بأهمّية ثقافيّة كبيرة وشهدت مولد عدد من أبرز الفلاسفة والأدباء، فكانت مسقط رأس الكاتب اليونانيّ الساخر مينيبوس الكلبيّ الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو العبد الذي أصبح فيلسوفًا ساخرًا فكتب مزيجًا من نصوص النثر والشعر التي سخر فيها من حماقات البشر. اندثرت أعماله ولم يصل منها شيء تقريبًا،[5] غير أنّ كُل من الكاتب الروماني فارو ريتينوس والأديب السرياني لوقيان السميساطي قلّدا بعضها.

شهدت مدينة جدارا أيضًا مولِد الفيلسوف الإبيقوري اليوناني فيلوديموس الجداري، الذي تتلمذ لاحقًا على يد الباحث الأبيقوري زينون الصيدوني في أثينا، ثُم عكف على تدريس الفلسفة الإبيقورية لحمو قيصر في قصر بيسوس الواقع بمدينة هركولانيوم الرومانية، حيث شكّلت المخطوطات التي عُثر عليها في مكتبة القصر وفك شفرتها شهادة مهمة على تاريخ الفلسفة الإبيقورية الرومانية.

وفي أوائل القرن الأول قبل الميلاد شهدت مدينة جدارا مولد ابنها الأشهر ميلياجروس الجداري الذي يُعدّ واحدًا من أبرز الشعراء اليونانيين الهلنستيين، ليس بفضل أعماله الخاصة فقط، وإنما بسبب مختاراته من الشعراء الآخرين أيضًا، والتي شكلت أساس المجموعة الكبيرة المعروفة باسم المختارات اليونانية.

وصف المؤرخ اليوناني بوليبيوس مدينة جدارا بأنها كانت في عام 218 قبل الميلاد الأقوى من بين جميع بلدان المنطقة. ومع ذلك، فقد استسلمت بعد ذلك بوقت قصير عندما حاصرها الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث ملك سوريا. في عهد السلوقيين، كانت مدينة جدارا تعرف أيضًا باسم أنطيوخية (باليونانية القديمة: Αντιόχεια) أو أنطيوخية سميراميس (باليونانية القديمة: Ἀντιόχεια Σεμίραμις, Antiókheia Semiramis) وباسم سلوقية (اليونانية القديمة: Σεлεύκεια).[6] مرت المنطقة بحقب متعاقبة من سيطرة الملوك السلوقيين في سوريا والبطالمة في مصر، قبل أن يتمكّن الملك الحشموني ألكسندر جانيوس من الاستيلاء على المدينة وتدميرها.[7][8]

خلال الحقبة الرومانية

هياكل حجرية في مدينة جدارا

بعدما أخضع القائد الروماني بومبي المنطقة للسيطرة الرومانية في عام 63 قبل الميلاد، أعاد بناء مدينة جدرا وجعلها واحدة من المدن شبه المستقلة في حلف المدن العشرة (الديكابولس) الروماني،[9][10] كما جعلها حصنًا في مواجهة التوسع النبطي. ولكن في عام 30 قبل الميلاد، هُزم القيصر الرومانيّ أغسطس وأصبحت المدينة نتيجة لذلك خاضعة لسيطرة الملك اليهودي هيرودس. وبحسب ما ذكره المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس فقد أصبحت مدينة جدارا جزءًا من مقاطعة سوريا الرومانية بعد وفاة الملك هيرودس عام 4 قبل الميلاد.[11] كانت القناة الرومانية التي يعود تاريخ شقّها إلى القرن الثاني الميلادي تزود مدينة جدارا بمياه الشرب، وهي قناة يبلغ طولها 170 كيلومترًا (110 ميلًا)، ويمتد الجزء الأكبر منها تحت الأرض لمسافة 94 كم، هو أطول نفق معروف منذ العصور القديمة.[12][13]

خلال الحقبة البيزنطية والإسلامية المبكرة

ظلت مدينة جدارا تتمتّع بمكانة مهمة داخل الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكانت لفترة طويلة مقرًا للأسقف المسيحي.[14] ومع الفتح العربي، وبعد معركة اليرموك في عام 636، أصبحت جدارا تحت الحكم الإسلامي، قبل أن تتعرض المدينة للتدمير إلى حد كبير بسبب الزلزال الذي ضربها قرابة عام 749، ممّا أجبر سكانها على التخلي عنها.

في التاريخ الكنسي

تمتعت مدينة جدارا القديمة بمكانة مهمة، مما جعلها تصبح مقرًّا لأسقفية متروبوليتان في سكيثوبوليس عاصمة مقاطعة فلسطين الثانية الرومانية، لكنها سُرعان ما تلاشت مع تغير معالم المدينة بعد الفتح الإسلامي. وفي القرن الخامس عشر، أصبح للمدينة أسقفًا فخريًّا، ويُبيّن الجدول التالي أسماء الأساقفة الذين شغلوا منصب الأساقفة الفخريين لأبرشية جدارا:

الاسم الحركة تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب
يوهان إيرلر الإخوة الأصاغر 12 يوليو (تموز) 1432 1469
ماتياس كانوتي الرهبانية البندكتية 1506 9 يوليو (تموز) 1492
دومينغو بيريز ريفيرا 6 مارس (أذار) 1741 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1771
جان بينيسلافسكي اليسوعية 1783 25 مارس (أذار) 1812
أنطون جوتفريد كلايسن 25 يوليو (تموز) 1844 29 سبتمبر (أيلول) 1847
جوزيف هياسنت سوهير جمعية الإرساليات الأجنبية في باريس 27 أغسطس (آب) 1850 3 سبتمبر (أيلول) 1876
إدوارد ماكابي 26 يونيو (حزيران) 1877 4 أبريل (نيسان) 1979
جوزيبي ماتشي 27 فبراير (شباط) 1880 3 أبريل (نيسان) 1889
جوزيبي شيرو 30 يوليو (تموز) 1989 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1895
نيكولاي يوسف كاميلي 27 مارس (أذار) 1901 26 فبراير (شباط) 1906
فينسيسلاو فريند 15 يوليو (تموز) 1901 2 سبتمبر (أيلول) 1932
مارسيال بيير ماري جانين 10 يناير (كانون الثاني) 1933 16 يوليو (تموز) 1932
جان كاسين 20 فبراير (شباط) 1941 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1973

سكان بارزون

سكنت العديد من الشخصيات البارزة مدينة جدارا، حتى أطلق عليها خلال بعض الحقب التاريخية اسم «مدينة الفلاسفة».[15] كذلك لاحظ المؤرخ ديفيد سايدر أن العديد من الفلاسفة والكتاب وعلماء الرياضيات المتميزين وُلدوا أو عاشوا في مدينة جدارا، غير أنّه لاحظ كذلك انتقال مُعظم هؤلاء الأشخاص في وقت لاحق إلى اليونان وإيطاليا على الرغم من اتساع المدينة وقيمتها كحاضرة ثقافية.[16] ويوضح الجدول التالي حسب التسلسل الزمني أسماء فلاسفة وأدباء وعلماء مشاهير ولدوا أو عاشوا في مدينة جدارا:

الاسم المهنة الحقبة الزمنية المصادر
مينيبوس الكلبي كاتب ساخر القرن الثالث قبل الميلاد [17][16][18]
ميلياجروس الجداري فيلسوف وشاعر ساخر القرن الأول قبل الميلاد [17][16][19]
فيلوديموس الجداري فيلسوف وشاعر إبيقوري القرن الأول قبل الميلاد [17][16][18]
ثيودوروس الجداري خطيب القرن الأول قبل الميلاد [17][16][18]
ديمتريوس الجداري القرن الأول قبل الميلاد أهم عبيد بومبي ماغنوس المعتوقين وأكثرهم تأثيرًا وشهرة. [20]
فيلو الجداري عالم رياضيات أوائل القرن الثاني الميلادي حسب قيمة دقيقة للغاية للثابت الرياضي ط أو π[21][16]
أيونوماوس الجداري فيلسوف ساخر القرن الثاني الميلادي [17][16]
أبسينس الجداري خطيب القرن الثالث الميلادي [17][16]

الاكتشافات الأثرية

الآثار الرومانية لمدينة جدارا القديمة

أقر المستشرق والرحالة الألماني أولريخ ياسبر زيتسن في عام 1806 بأن الموقع الحالي لمدينة جدارا القديمة يقع في بلدة أم قيس في الأردن.[22]

يمكن الآن العثور على أسوار مدينة جدارا القديمة التي يبلغ طولها 3 كيلومترات، والتي لا تزال موجودة بأكملها تقريبًا. كان أحد الطرق الرومانية المؤدية للمدينة قديمًا يمتد شرقًا إلى درعا حيث عُثر على قناة مائية تصل إلى بركة خاب الواقعة على بعد حوالي 20 ميلاً إلى الشمال من مدينة درعا السورية.[23] وتشمل الآثار التي عُثر عليها الحمامات، ومسرحين، وحلبة لسباق الخيل، والشوارع ذات الأعمدة، والأعمدة الرومانية وقنوات المياه، ومعبد وكنيسة ومباني أخرى، تحكي عن مدينة كانت رائعة ذات يوم. يوجد شارع مرصوف ذو أعمدة مزدوجة يمتد من الشرق إلى الغرب، حيث لا يزال من الممكن رؤية الأخاديد التي تلبسها عجلات المركبات القديمة في الطريق إلى المعبد.

وفي عام 2017، اكتشف علماء الآثار معبدًا قديمًا بُني في العصر الهلنستي خلال القرن الثالث قبل الميلاد. ويعتقد أن المعبد كان مخصصًا لعبادة بوسيدون إله البحار والعواصف البحرية الإغريقي.[24] كما عُثر أيضًا على قطع من الفخار الهلنستي في الموقع. كان تصميم المعبد يتبع طراز ديستايل إن أنتيس الكلاسيكي الإغريقي، وكان يتألف من رواق ومنصة، بالإضافة إلى الغرفة المقدسة للمعبد.[25] كما اكتشف علماء الآثار شبكة من أنفاق المياه وسط البلدة القديمة، وهي منفصلة عن النفق الخارجي الذي اكتشف منذ عقود في المنطقة.[25]

منظر من بلدة أم قيس الأردنية يُظهر شارع ديكومانوس في موقع مدينة جدارا القديمة محاطًا بتلال الجليل وبيحيرة طبريا (في الوسط إلى جهة اليسار)، وهضبة الجولان (جهة اليمين) في الخلفية.

متحف بيت الروسان

بيت الروسان

كان المقر السابق للحاكم العثماني المعروف باسم بيت الروسان واحدًا من أشهر المعالم والمزارات السياحية بمدينة أربد، وقد كان يتضمن متحفًا يعرض العديد من الاكتشافات الأثرية التي وُجدت في مدينة جدارا.

مراجع

  1.   "صفحة جدارا في خريطة الشارع المفتوحة". OpenStreetMap. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-19.
  2. Ismaiel, Shahd (10 Jul 2019). "مدن الديكابولس الأردنية: جدارا حصن الشمال". الأردن Heritage (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2021-02-28. Retrieved 2022-04-29.
  3. Mare، W. Harold (2000)، "Decapolis"، Eerdmans Dictionary of the Bible، Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans Publishing، ص. 333–334، ISBN:0-8028-2400-5.
  4. Rocca، Samuel (2008)، Herod's Judea: A Mediterranean State in the Classic World، Eugene: Mohr Siebeck، ص. 200، ISBN:978-1-4982-2454-3، مؤرشف من الأصل في 2020-06-05
  5. Strabo's Geography 16.2.29 نسخة محفوظة 2023-10-20 على موقع واي باك مشين.
  6. Calmet، Augustin (1813). Calmet's Great Dictionary of the Holy Bible. Samuel Etheridge.
  7. Israel Shatzman, The Armies of the Hasmonaeans and Herod: From Hellenistic to Roman Frameworks, p. 74. نسخة محفوظة 2021-08-18 على موقع واي باك مشين.
  8. Piotrkowski, Meron M. (2011). "When Did Alexander Yannai Capture Which Gadara?". Jewish Studies Quarterly (بالإنجليزية). Mohr Siebeck GmbH & Co. KG. 18 (3): 266–276. DOI:10.1628/094457011797248453. JSTOR:41289144.
  9. Mare، W. Harold (2000)، "Decapolis"، Eerdmans Dictionary of the Bible، Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans Publishing، ص. 333–334، ISBN:0-8028-2400-5.
  10. Fitzgerald، John Thomas؛ Obbink، Dirk D.؛ Holland، Glenn Stanfield (2004). Philodemus and the New Testament world [electronic resource]. BRILL. ص. 365–366. ISBN:9789004114609.
  11. Josephus Antiquities, XVII, xi, 4; Josephus, Bellum Judaicum, II, vi, 3.
  12. Schram، Wilke D. (2007)، "Gadara (Jordan)"، Roman Aqueducts، اطلع عليه بتاريخ 2015-09-25.
  13. Mathias Döring: "Wasser für Gadara. 94 km langer Tunnel antiker Tunnel im Norden Jordaniens entdeckt" نسخة محفوظة 2016-01-11 على موقع واي باك مشين., in: Querschnitt, Vol. 21 (2007), pp. 24–35
  14. ريلند, Palestine, 776.
  15. Desmond, William. Cynics. p36
  16. Sider، David (1997). The Epigrams of Philodemos: Introduction, Text, and Commentary. Oxford University Press. ص. 4. ISBN:9780195356670. مؤرشف من الأصل في 2023-10-22. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-03.
  17. Blank, David, "Philodemus", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), accessed 3 June 2020. نسخة محفوظة 2022-10-06 على موقع واي باك مشين.
  18. Strabo's Geography 16.2.29 نسخة محفوظة 2023-10-22 على موقع واي باك مشين.
  19. Isaac، Benjamin (2017). Empire and Ideology in the Graeco-Roman World. كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج. ص. 427c. ISBN:978-1-107-13589-5. مؤرشف من الأصل في 2023-10-22. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-03.
  20. Handbook of Ancient Slavery. Delivery IV. Ed. Heinz Heinen et al., Stuttgart 2012. نسخة محفوظة 2023-08-19 على موقع واي باك مشين.
  21. Runia، David T. (1995). Philo and the Church Fathers: A Collection of Papers. Vigiliae Christianae, Supplements. Volume XXXII. BRILL. ص. 27. ISBN:9789004312999. مؤرشف من الأصل في 2020-06-03. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-03.
  22. Schürer, 1891, §23 (The Hellenistic Towns), p. 100 (note 179), where he cites Seetzen, Reisen durch Syrien (ed. by Kruse, 4 vols. 1854–59), i. 369 sqq., iv. 188 sqq. نسخة محفوظة 2020-06-05 على موقع واي باك مشين.
  23. Desmond, William. Cynics. p36 - referencing (Weber & Khouri 1989:17-18)
  24. "Archaeologists discover ancient temple in Jordan's Amman". مؤرشف من الأصل في 2022-12-26.
  25. "'First of-its-kind' Hellenistic temple discovered in Umm Qais". Jordan Times. 14 أغسطس 2017. مؤرشف من الأصل في 2023-06-24.
  • أيقونة بوابةبوابة الأردن
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.