تحيز العزو العدائي
انحياز العزو العدائي أو العزو العدائيّ للنية أو تحيز عزو العداء[1]، هو الميل إلى تفسير سلوكيات الآخرين على أنها امتلاك لنيّة عدائية، حتّى عندما يكون السلوك مجهول النية أو سليم.[2][3][4] على سبيل المثال، عندما يرى الشخص الذي يظهر مستويات عالية من تحيز العزو العدائيّ شخصين يضحكان، سيقوم بتفسير هذا السلوك بأنهما يضحكان عليه، على الرغم من أن السلوك كان مجهول النية بالنسبة له وربما سليماً.
نسبي وهايدن ودي باولو هم أول من صاغ مصطلح «تحيز العزو العدائيّ»، حيث لاحظوا –إلى جانب العديد من الرواد الرئيسيين الآخرين في المجال البحثي (مثل كينيث إي. دودج)- أنه هناك مجموعة فرعية من الأطفال تميل في كثير من الأحيان إلى الانحياز للعزو العدائيّ في المواقف الاجتماعية مجهولة النية أكثر من بقية الأطفال.[2][3] منذ ذلك الحين، تم إدراك تحيز العزو العدائيّ على أنه انحياز معالجة المعلومات الاجتماعية (على غرار انحيازات العزو الأخرى)، بما في ذلك الطريقة التي يستعملها الأفراد للإدراك والتفسير واختيار الاستجابة الملائمة للمواقف.[5][6] في حين أن تحيز العزو العدائيّ من حين إلى آخر هو أمر معياري (خاصةً بالنسبة للأطفال الأصغر سناً)، فقد وجد الباحثون أن الأفراد الذين يظهرون مستويات عالية ومتسقة من تحيز العزو العدائيّ أثناء تطورهم، أكثر عرضة للانخراط في السلوك العدوانيّ (على سبيل المثال، الضرب/القتال، رد فعل عنيف، عدوان لفظي أو علاقاتيّ) تجاه الآخرين.[4][7]
بالإضافة إلى ذلك، يفترض أن تحيز العزو العدائيّ هو أحد المسارات المهمة عبر عوامل الخطر الأخرى، مثل رفض الأنداد أو سلوك الأبوة والأمومة القاسي، وصولاً للعدائية. على سبيل المثال، يعتبر الأطفال المعرضون لتنمر الأقران في المدرسة أو المعرضون للإساءة في المنزل، أكثر عرضة لتطوير مستويات عالية من تحيز العزو العدائي، مما يؤدي إلى تصرفهم بشكل عنيف في المدرسة أو المنزل. وبالتالي –بالإضافة إلى التفسير الجزئي لطريقة تطور العدائية-، فإن تحيز العزو العدائيّ يمثل أيضاً هدفاً للتدخل في السلوكيات العدوانية ومنعها.[4]
التاريخ
ظهر مصطلح «تحيز العزو العدائيّ» لأول مرة في عام 1980، عندما بدأ الباحثون ملاحظة أن بعض الأطفال –خاصة الأطفال العدائيين أو المتعرضين للرفض- يميلون إلى تفسير المواقف الاجتماعية بشكل مختلف عن الأطفال الآخرين.[2][3] على سبيل المثال، قدّم نسبي وزملاؤه صوراً لبعض الأشخاص إلى مجموعة من الأولاد المراهقين العدائيين (تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاماً) ولاحظوا أن مجموعة فرعية من هؤلاء المراهقين أبدت ميلاً ثابتاً للعزو العدائي للنوايا، حتّى عندما كانت الإشارات مجهولة النية أو سليمة.[2]
وبالمثل، أجرى كينيث إي. دودج وزملاؤه دراسة على عينة من الأطفال في سن المدرسة (بين الصف الثالث والخامس)، ووجدوا أن الأطفال الذين تعرضوا للرفض من قبل أقرانهم كانوا أكثر عرضة من غيرهم من الأطفال لإظهار العزو العدائي للنية في المواقف الاجتماعية مجهولة النية (مثلاً، عندما يكون السلوك عرضي أو عالمي).[3] علاوةً على ذلك، وجد دودج وزملاؤه أن الأطفال الذين يظهرون تحيز كبير للعزو العدائي استمروا في إظهار سلوكيات أكثر عدائية في وقت لاحق.
كانت الدراسات المبكرة التي تبحث في الروابط بين تحيز العزو العدائيّ والعدائية متضاربة نوعاً ما، بسبب وجود بعض الدراسات التي أبلغت عن عدم وجود آثار كبيرة [8][9] أو وجود تأثيرات صغيرة فقط [3][5]، بنفس الوقت الذي أظهرت فيه دراسات أخرى وجود تأثيرات كبيرة.[10][11] منذ ذلك الحين، وثقّت أكثر من 100 دراسة وتحليل تلوي وجود علاقة قوية بين تحيز العزو العدائي والسلوك العدائي في عينات مختلفة متفاوتة في العمر والجنس والعرق والبلدان والمرضى السريريين.[4]
الصياغة النظرية
عادةً ما يتم تصور تحيز العزو العدائيّ ضمن إطار معالجة المعلومات الاجتماعية، حيث تتم معالجة المعلومات الاجتماعية (على سبيل المثال، أثناء التفاعل) في سلسلة من الخطوات التي تؤدي إلى رد فعل سلوكي.[5][6] تتطلب معالجة المعلومات الاجتماعية الدقيقة أن يقوم الشخص بتنفيذ ست خطوات معينة بالترتيب التالي:[12]
- الخطوة الأولى: تشفير المعلومات بدقة في الدماغ وتخزينها في الذاكرة قصيرة الأجل. خلال هذه الخطوة، سوف ينتبه الفرد إلى محفزات/إشارات محددة في بيئته، بما في ذلك العوامل الخارجية (على سبيل المثال، شخص يصطدم بك، وردود فعل الآخرين تجاه الموقف). والعوامل الداخلية (على سبيل المثال، رد فعلك العاطفي تجاه الموقف).
- الخطوة الثانية: التفسير الدقيق أو إعطاء معنى للمعلومات المشفرة. خلال هذه الخطوة قد يقرر الفرد ما إذا كان من المفترض أن يكون السلوك عدائياً أو سليماً.
- الخطوة الثالثة: تحديد هدف للتفاعل.
- الخطوة الرابعة: توليد استجابات محتملة.
- الخطوة الخامسة: تقييم الاستجابات المحتملة وتحديد الاستجابة الأمثل.
- الخطوة السادسة: تحديد الاستجابة المختارة.
ينظر إلى تحيز العزو العدائي على أنه ناتج عن الانحرافات في أي خطوة من الخطوات السابقة [5]، بما في ذلك الانتباه إلى المعلومات المنحازة وترميزها (على سبيل المثال، الانتباه فقط إلى الإشارات التي تشير إلى العدائية)، والتحيزات تجاه التفسيرات السلبية للتفاعلات الاجتماعية (على سبيل المثال، من المحتمل أكثر أن يتم تفسير الموقف على أنه عدائيّ)، والقدرة المحدودة على توليد مجموعة واسعة من الاستجابات المحتملة، وصعوبة تقييم الردود بشكل مناسب واختيار الاستجابة المثالية. علاوةً على ذلك، فإن التحيز في أي خطوة من الخطوات السابقة سيؤثر على بقية الخطوات.[5]
ارتبط تحيز العزو العدائيّ بشكل خاص بالخطوة الثانية من معالجة المعلومات الاجتماعية أي (تفسير المعلومات)، ولكنه مرتبط بالانحرافات في الخطوات الأخرى أيضاً، بما في ذلك التصور/ الترميز غير الدقيق للأوضاع والمشاكل الاجتماعية مع توليد مجموعة عامة من الاستجابات السلوكية المحتملة. على سبيل المثال، قد يولّد الطفل الذي يظهر مستويات عالية من تحيز العزو العدائيّ استجابات محتملة أقل مقارنة بالأطفال الآخرين، وقد تقتصر هذه الاستجابات على استجابات عدائية أو غير ملائمة لموقف ما.[13]
وضع دودج نظرية أن تحيز العزو العدائي ينشأ من الاستنتاجات المعادية للفرد تجاه العالم والتي تتشكل من خلال التفاعل بين النزعات العصبية للطفل وتعرضه المبكر لتجارب التنشئة الاجتماعية العدائية.[4] قد تتضمن هذه التجارب العلاقة المشتتة مع الأهل وإساءة معاملة الطفل والتعرض للعنف الأسري والرفض من قبل الأقران والإيذاء أو العنف المجتمعي.
القياس
في إعدادات البحث، عادةً ما يتم قياس تحيز العزو العدائي بواسطة عملية مخبريّة، حيث يتم اختبار المشاركين بتفاعل مسرحيّ (فاعلون مباشرون) أو تفاعل عن طريق الفيديو أو الصورة أو الصوت أو العروض التقديمية المكتوبة للأوضاع الاجتماعية مجهولة النية. على سبيل المثال، قد يكون الموقف الاجتماعي مجهول النية عبارة عن شريط فيديو لطفل يفتح الباب، مما يتسبب في لمس الباب لبرج ألعاب بناه طفل آخر وهدمه. بعد تقديم «التحفيز»، سيطلب من المشاركين تقديم وصف لنية الممثل أي الطفل (هل هي عدائية أم سليمة؟). (على سبيل المثال، هل تعتقد أن الطفلة التي فتحت الباب كانت تحاول أن تكون لئيمة أم لطيفة، أم أن الفتاة كانت من الممكن أن تكون لئيمة أو لطيفة؟)
تدار تجارب متعددة مع سيناريوهات مجهولة النية مختلفة، وبعد ذلك يستخدم الباحثون هذه الصفات لتحديد مستوى تحيز العزو العدائي للطفل. يعد الاختيار الدقيق للمنبهات/محفزات ومقارنتها مع الحد الوسطي مفيد في التقييم الدقيق لمستوى تحيز العزو العدائي للفرد. وجد التحليل التلوي الذي يبحث في العلاقة بين تحيز العزو العدائي والسلوك العدائي أن أكبر أحجام التأثير كانت مرتبطة بالتدرج الفعلي للتفاعلات الاجتماعية المسرحية، يليها العرض الصوتي للمحفزات، ومن ثم عرض الفيديو والصور.[7]
التأثيرات
العدائية
وثقت الأدبيات العلمية الأساسية الارتباط القوي بين تحيز العزو العدائي والعدائية في الشباب.[4][7] يرتبط تحيز العزو العدائي تقليدياً بالعدائية الجسدية العلنية (كالضرب والقتال)، بحيث تتنبأ المستويات الأعلى من تحيز العزو العدائي بسلوك أكثر عدائية. على وجه الخصوص، تشير الكثير من الأدلة إلى أن تحيز العزو العدائيّ مرتبط بشكل خاص بـ«العدوان الاستجابي/المتعلق برد الفعل» (أي المتهور و«عدوان الدم الحار» الذي يعكس رد الفعل الغاضب تجاه الاستفزاز المتصور) بدلاً من «العدوان الاستباقي» (أي العدوان المخطط له غير المسبوق باستفزاز أو «عدوان الدم البارد»).[14]
إلى جانب العدائية الجسدية، يرتبط تحيز العزو العدائي بتعزيز العدائية العلاقاتية (على سبيل المثال، القيل والقال، ونشر الشائعات، والاستبعاد الاجتماعي).[15][16][17][18] هذا هو الحال بشكل خاص عندما يتحيز الشباب للنوايا العدائية في المواقف الاجتماعية مجهولة النية (على سبيل المثال، عدم تلقي دعوة لحضور حفلة، أو عدم تلقي رد على رسالة نصية معينة).[19]
النتائج السلبية عند البالغين
كما تم توثيق تحيز العزو العدائيّ عند البالغين، حيث أن البالغين الذين يظهرون مستويات عالية من تحيز العزو العدائيّ أكثر عرضة للوفاة بأربع مرات بعد بلوغهم سن الخمسين مقارنة بالبالغين الذين لا يظهرون مستويات عالية من تحيز العزو العدائي.[20] يرتبط تحيز العزو العدائي بشكل خاص بالمشاكل العلاقاتية في مرحلة البلوغ، بما في ذلك الصراع/ العنف الزوجي[21] وعدم الرضا عن الزواج/ العلاقة.[22] أخيراً، إن الآباء الذين يظهرون مستويات عالية من التحيز للعزو العدائيّ أكثر عرضةً لاستخدام أساليب التربية الصارمة والعدائية [23][24]، مما قد يسهم بشكل أكبر في استمرارية تحيز العزو الاجتماعي والعدائية في الأجيال القادمة عبر الزمن.[25]
النتائج السريرية للتدخل العلاجي
تم اختبار تحيّز العزو العدائيّ كهدف طيع للتدخلات العلاجية في السلوكيات العدائية عند الشباب، بما في ذلك إعادة البناء الإدراكي المصمم لزيادة التحديد الدقيق لنوايا الآخرين والعزو لسلامة النوايا.[26][27][28] تم توثيق النجاح النسبي لهذه التدخلات العلاجية في تغيير مستويات تحيز العزو العدائيّ، على الرغم من أن التغييرات الدائمة الفعلية في السلوك العدائي كانت متواضعة.[4]
المراجع
- نسخة محفوظة 9 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Nasby, W., Hayden, B., & DePaulo, B. M. (1980). Attributional bias among aggressive boys to interpret unambiguous social stimuli as displays of hostility. Journal of Abnormal Psychology, 89(3), 459.
- Dodge, K. A. (1980). Social cognition and children's aggressive behavior. Child Development, 162-170.
- Dodge, K. A. (2006). Translational science in action: Hostile attributional style and the development of aggressive behavior problems. Development and Psychopathology, 18(03), 791-814.
- Dodge, K. A. (1986). A social information processing model of social competence in children. In M. Perlmutter (Ed.), The Minnesota Symposium on Child Psychology: Vol. 18. Cognitive perspectives on children's social and behavioral development (pp. 77-125). Hillsdale, NJ: Erlbaum.
- Crick, N. R., & Dodge, K. A. (1994). A review and reformulation of social information-processing mechanisms in children's social adjustment.Psychological Bulletin, 115(1), 74.
- De Castro, B. O., Veerman, J. W., Koops, W., Bosch, J. D., & Monshouwer, H. J. (2002). Hostile attribution of intent and aggressive behavior: A meta-analysis. Child Development, 916-934.
- Dodge, K. A., Lochman, J. E., Harnish, J. D., Bates, J. E., & Pettit, G. S. (1997). Reactive and proactive aggression in school children and psychiatrically impaired chronically assaultive youth. Journal of Abnormal Psychology, 106(1), 37.
- Matthys, W., Cuperus, J. M., & Van Engeland, H. (1999). Deficient social problem-solving in boys with ODD/CD, with ADHD, and with both disorders.Journal of the American Academy of Child & Adolescent Psychiatry, 38(3), 311-321.
- Graham, S., Hudley, C., & Williams, E. (1992). Attributional and emotional determinants of aggression among African-American and Latino young adolescents. Developmental Psychology, 28(4), 731.
- Waldman, I. D. (1996). Aggressive boys' hostile perceptual and response biases: The role of attention and impulsivity. Child Development, 67(3), 1015-1033.
- Ostrov, J. M., & Godleski, S. A. (2010). Toward an integrated gender-linked model of aggression subtypes in early and middle childhood. Psychological Review, 117(1), 233.
- Richard, B. A., & Dodge, K. A. (1982). Social maladjustment and problem solving in school-aged children. Journal of Consulting and Clinical Psychology,50(2), 226.
- Crick, N. R., & Dodge, K. A. (1996). Social information‐processing mechanisms in reactive and proactive aggression. Child Development, 67(3), 993-1002.
- Crick, N. R. (1996). The role of overt aggression, relational aggression, and prosocial behavior in the prediction of children's future social adjustment. Child Development, 67(5), 2317-2327.
- Crick, N. R., Grotpeter, J. K., & Bigbee, M. A. (2002). Relationally and physically aggressive children's intent attributions and feelings of distress for relational and instrumental peer provocations. Child Development, 73(4), 1134-1142.
- Crick, N. R., & Werner, N. E. (1998). Response decision processes in relational and overt aggression. Child Development, 1630-1639.
- Werner, N. E. (2012). Do hostile attribution biases in children and parents predict relationally aggressive behavior?. The Journal of Genetic Psychology,173(3), 221-245.
- Bailey, C. A., & Ostrov, J. M. (2008). Differentiating forms and functions of aggression in emerging adults: Associations with hostile attribution biases and normative beliefs. Journal of Youth and Adolescence, 37(6), 713-722.
- Barefoot, J. C., Dodge, K. A., Peterson, B. L., Dahlstrom, W. G., & Williams Jr, R. B. (1989). The Cook-Medley hostility scale: item content and ability to predict survival. Psychosomatic Medicine, 51(1), 46-57.
- Holtzworth-Munroe, A., & Hutchinson, G. (1993). Attributing negative intent to wife behavior: the attributions of maritally violent versus nonviolent men.Journal of Abnormal Psychology, 102(2), 206.
- Bradbury, T. N., & Fincham, F. D. (1990). Attributions in marriage: review and critique. Psychological Bulletin, 107(1), 3.
- MacBrayer, E. K., Milich, R., & Hundley, M. (2003). Attributional biases in aggressive children and their mothers. Journal of Abnormal Psychology, 112(4), 698.
- Nix, R. L., Pinderhughes, E. E., Dodge, K. A., Bates, J. E., Pettit, G. S., & McFadyen-Ketchum, S. A. (1999). The relation between mothers' hostile attribution tendencies and children's externalizing behavior problems: The mediating role of mothers' harsh discipline practices. Child Development, 896-909.
- Berlin, L. J., Appleyard, K., & Dodge, K. A. (2011). Intergenerational continuity in child maltreatment: Mediating mechanisms and implications for prevention.Child Development, 82(1), 162-176.
- Guerra, N. G., & Slaby, R. G. (1990). Cognitive mediators of aggression in adolescent offenders: II. Intervention. Developmental Psychology, 26(2), 269.
- Hudley, C., & Graham, S. (1993). An attributional intervention to reduce peer‐directed aggression among African‐American boys. Child Development, 64(1), 124-138.
- Sukhodolsky, D. G., Golub, A., Stone, E. C., & Orban, L. (2006). Dismantling anger control training for children: A randomized pilot study of social problem-solving versus social skills training components. Behavior Therapy, 36(1), 15-23.
- بوابة علم النفس