تسامح ديني

يمكن أن يُعرف التسامح الديني بأنه «ليس أكثر من قبول أتباع الديانة السائدة بالديانات الأخرى والإذن بممارسة هذه الديانات، على الرغم من استنكارها واعتبارها ديانات خاطئة أو مؤذية أو ذات مرتبة أدنى».[1] تاريخيًا، تتناول معظم الحوادث والكتابات المتعلقة بالتسامح وضع الأقلية ووجهات النظر المخالفة فيما يتعلق بدين الدولة المهيمن.[2] ومع ذلك، فإن الدين أيضًا اجتماعي، وقد ارتبط التسامح دائمًا بجانب سياسي ما.[3]

تشير النظرة العامة إلى تاريخ التسامح والثقافات المختلفة التي يمارس فيها التسامح، والطرق التي تطور بها هذا المفهوم المتناقض حتى أصبح مفهومًا إرشاديًا، إلى استخدامه المعاصر باعتباره سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا وعرقيًا، بما ينطبق أيضًا على مجتمع الميم والأفراد والأقليات الأخرى والمفاهيم الأخرى ذات الصلة مثل حقوق الإنسان.

في العصور القديمة

اعتُبر التسامح الديني «سمةً مميزةً» للإمبراطورية الأخمينية في بلاد فارس؛[4] ساعد كورش الكبير في ترميم الأماكن المقدسة في مختلف المدن. وقيل في العهد القديم أن كورش قد أطلق سراح اليهود من الأسر البابلي في 539-530 قبل الميلاد، وسمح لهم بالعودة إلى وطنهم.[5]

ضمت مدينة الإسكندرية الهلنستية، والتي تأسست عام 331 قبل الميلاد، جاليةً يهوديةً كبيرةً عاشت في سلام مع عدد متساوٍ من السكان اليونانيين والمصريين. ووفقًا لمايكل والزر، قدمت المدينة «مثالًا مفيدًا لما قد نعتقد أنه النسخة الإمبراطورية للتعددية الثقافية».[6]

قبل أن تصبح المسيحية كنيسة الدولة للإمبراطورية الرومانية، سمحت للشعوب التي غُزيت بمواصلة عبادة آلهتها. «كانت الدعوة للاستمرار في عبادة آلهة الأراضي المحتلة جزءًا مهمًا من الدعاية الرومانية حول فوائد العبادة داخل الإمبراطورية». اضطُهد المسيحيون بسبب رفضهم لوحدة الوجود الروماني ورفضهم لتكريم الإمبراطور كإله. ولكن أصدر الإمبراطور الروماني غاليريوس مرسومًا عامًا للتسامح مع المسيحية في عام 311، باسمه وباسم ليسينيوس وقسطنطين العظيم (الذي اعتنق المسيحية في العام التالي).[7]

البوذية

أظهر البوذيون تسامحًا كبيرًا تجاه الأديان الأخرى:

ينبع التسامح البوذي من الاعتراف بأن ميول البشر واحتياجاتهم الروحية متنوعة للغاية، إذ لا يمكن أن يشملها أي تعليم منفرد، وبالتالي سيتم التعبير عن هذه الاحتياجات بشكل طبيعي في مجموعة متنوعة من الأشكال الدينية.[8]

وقال جيمس فريمان كلارك في كتابه عشر ديانات عظيمة (1871):

لم يؤسس البوذيون أي محاكم تفتيش، وجمعوا بين الغيرة الدينية، التي سيطرت على الممالك، والتسامح الذي لا يمكن لتجربتنا الغربية تفسيره.[9]

أعلنت مراسيم أشوكا الصادرة عن الملك البوذي أشوكا الكبير (269-231 قبل الميلاد)، الالتزام بالتسامح العرقي والديني. ونص مرسومه في النقش الحجري الرئيسي الثاني عشر لجيرنار في القرن الثالث قبل الميلاد على أن «الملوك قبلوا ممارسة التسامح الديني، وأن الإمبراطور أشوكا أكد أنه لا يوجد أحد متفوق على غيره، بل سيتبع طريق الوحدة من خلال التعريف بجوهر الأديان الأخرى».

ومع ذلك، فقد كان للبوذية أيضًا خلافات حول التسامح. وأثار بول فولر مسألة عدم الالتزام بالتسامح المحتمل بين البوذيين في سريلانكا وميانمار، بشكل أساسي ضد المسلمين.

المسيحية

تشير أسفار الخروج واللاويين والتثنية إلى ممارسات مشابهة حول معاملة الغرباء. على سبيل المثال، جاء في سفر الخروج 22:21: «ولا تضطهد الغريب ولا تضايقه، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر». كثيرًا ما تُستخدم هذه النصوص في الخطب للدعوة إلى التعاطف والتسامح مع من يختلفون مع المسيحيين أو من هم أقل نفوذًا منهم. أوضحت جوليا كريستيفا فلسفة التسامح السياسي والديني على أساس كل هوياتنا المتبادلة كغرباء.[10]

وبالاعتماد على مثل الزوان في العهد الجديد، الذي يتحدث عن صعوبة التمييز بين القمح والأعشاب قبل وقت الحصاد، دعم الأسقف وازو من لييج (985-1048) التسامح الديني من خلال القول في «رسالته إلى الأسقف روجر من شالون» إن «الكنيسة يجب ألا تتدخل في اختلاف العقائد المتزايد إلى أن يقوم الرب بفصلهم والحكم عليهم».[11]

استخدم روجر ويليامز هذا المثل لدعم تسامح الحكومة مع جميع «الحشائش» (المهرطقين) في العالم، لأن الاضطهاد المدني غالبًا ما يؤذي «القمح» (المؤمنين) أيضًا عن غير قصد. كما اعتقد ويليامز أن الله وحده من يحق له أن يحكم في النهاية، وليس الإنسان. قدم هذا المثل مزيدًا من الدعم لإيمان ويليامز بالفصل بين الكنيسة والدولة كما هو موصوف في كتابه عام 1644، العقيدة الدموية للاضطهاد بسبب المعتقد.[12]

العصور الوسطى

برزت حالات من التسامح الديني مع مجموعات معينة خلال العصور الوسطى، وكان المفهوم اللاتيني للتسامح (توليرانتيا) «مفهومًا سياسيًا وقضائيًا متطورًا للغاية في اللاهوت المدرسي والقانون الكنسي في العصور الوسطى». استُخدم مفهوم توليرانتيا للإشارة إلى «الاعتماد على السلطة المدنية في مواجهة الغرباء، مثل غير المؤمنين، والمسلمين أو اليهود، والفئات الاجتماعية الأخرى أيضًا مثل البغايا ومرضى الجذام». أما حركات الهرطقة مثل كاثار، وولدينيسية، والمهرطق يان هوس وأتباعه الهوسيين، فقد تعرضوا للاضطهاد. بدأ اللاهوتيون المنتمون أو المتفاعلون مع الإصلاح البروتستانتي بمناقشة الظروف التي ينبغي بموجبها السماح بالفكر الديني المخالف في وقت لاحق من العصور الوسطى. لم يوثق وجود التسامح «كممارسة تعترف بها السلطة» في البلدان المسيحية قبل القرن السادس عشر.[13]

انظر أيضًا

المراجع

  1. Perez Zagorin, How the Idea of Religious Toleration Came to the West (Princeton: Princeton University Press 2003) (ردمك 0691092702), pp. 5–6, quoting D.D. Raphael et al.
  2. Joachim Vahland, 'Toleranzdiskurse', Zeno no. 37 (2017), pp. 7–25
  3. Gervers، Peter؛ Gervers، Michael؛ Powell، James M.، المحررون (2001). Tolerance and Intolerance: Social Conflict in the Age of the Crusades. Syracuse University Press. ISBN:9780815628699.
  4. Fisher, William Bayne; Gershevitch, I. (1968). The Cambridge History of Iran (بالإنجليزية). Cambridge University Press. p. 412. ISBN:9780521200912. Archived from the original on 2021-06-02.
  5. "Book of Ezra | King James Bible". Kingjamesbibletrust.org. مؤرشف من الأصل في 2011-05-10. اطلع عليه بتاريخ 2011-03-21.
  6. Walzer، Michael (1997). On Toleration. New Haven: Yale University Press. ص. 17. ISBN:978-0300076004. مؤرشف من الأصل في 2021-03-08.
  7. "Valerius Maximianus Galerius", Karl Hoeber, Catholic Encyclopedia 1909 Ed, retrieved 1 June 2007. نسخة محفوظة 2021-04-17 على موقع واي باك مشين.
  8. Kristin Scheible, "Towards a Buddhist Policy of Tolerance: the case of King Ashoka" in Neusner, Jacob, ed. Religious Tolerance in World Religions (West Conshohocken, PA, Templeton Foundation Prsss 2008) p. 323
  9. "The Face of Buddhist Terror". Time. يوليو 2013. مؤرشف من الأصل في 2021-03-04.
  10. Walzer, Michael On Toleration (New Haven: Yale University Press 1997) pp. 80–81
  11. Jeffrey Burton Russell, Dissent and Order in the Middle Ages: The Search for Legitimate Authority (New York: Twayne Publishers 1992), p. 23
  12. James P. Byrd (2002). The challenges of Roger Williams: religious liberty, violent persecution, and the Bible. Mercer University Press. ISBN:978-0865547711. مؤرشف من الأصل في 2021-04-25. اطلع عليه بتاريخ 2011-06-15.
  13. Drake، H.A. (نوفمبر 1996). "Lambs into Lions: Explaining Early Christian Intolerance". Past & Present. ج. 153 ع. 153: 3–36. DOI:10.1093/past/153.1.3. JSTOR:651134.
  • أيقونة بوابةبوابة فلسفة
  • أيقونة بوابةبوابة الأديان
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.